[البرواز و الصورة]

بقلم / إبراهيم خليل الجيدة :

تحدثنا مراراً وتكراراً عن أهمية المواطنة في حياة الشعوب العربية لاسيما دول الربيع العربي ، والمواطنة ليست رفاهية أو شعارات ترفع أو كلمات تردد على ألسنة البعض ، لكنها بالأمر الواقع هي فعل وممارسة حقيقية ، حينئذ لو تحققت المواطنة بمفهومها الحقيقي في العالم العربي لحققت هذه الدول الأمن والاستقرار والتقدم لأن أبناء هذه الشعوب سوف يدافعون بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون عن أوطانهم ومبادئهم وأعرافهم. وهذه المواطنة لا تنفصل عن الانتماء فكلما تحققت المواطنة تحقق تبعا لذلك الانتماء والعكس بالعكس صحيح ، لأن الذات الإنسانية بطبيعتها تتفانى في الدفاع عما تنتمي إليه وتؤمن به وتعتقد فيه . من هنا نتساءل لماذا لا يكون هناك مقرر يعنى بالتربية الوطنية في المدارس والجامعات والمعاهد وغيرها حتى يتم غرس مبادئ المواطنة في وجدان الإنسان العربي بداية من مرحلة الطفولة وحتى مرحلة النضج والاكتمال .

إننا في عالمنا العربي في حاجة لتأكيد المواطنة من خلال غرس مبادئها في وجدان أجيالنا ، وهذا يتحقق بالعلم والمعرفة والدراية في شتى المراحل الدراسية شريطة أن يكون التنظير متوافقا مع عملية التطبيق ، أي بمعنى أن نجعل ما يُدرّس للطالب في المدرسة والجامعة متوافقا مع طبيعة الواقع المُتعايش به ، لا أن يكون المنهج في واد بعيد عن الحياة . هناك بعض ممن يظنون أن هذه العملية تحتاج منا إلى وقت ومال ومجهود كبير لإضافة هذا المقرر لمناهجنا الدراسية وهذا التفكير خاطئ بالتأكيد لأنها لا تكلف عُشرْ ما ننفقه في أعمال لا نجني من ورائها شيئا ، ولا ننسى أنها تعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة لدى أبنائنا وأجيالنا القادمة. ولعل الدافع لدراسة مثل هذا المقرر في مدارسنا وجامعاتنا مجموعة من العوامل منها :

- حالة الفراغ الوطني - لو جاز لنا استخدام هذا التعبير - وهي تشبه حالة الفراغ الروحي أو الفراغ العاطفي، لكنها هنا تُمثل حالة اللامبالاة التي تنتاب الشباب تجاه حقوق أوطانهم وعدم الاكتراث بها وعدم الانتماء الحقيقي لها . هنا فقط نضمن أن يكون ما فعلناه دافعا لنا لدراسة موضوعات المواطنة ضمن ما يمكن أن نطلق عليه التربية الوطنية حتى يتم تحقيق الانتماء الوطني والمواطنة.
- نشوب حالات صراع عديدة في مجتمعاتنا العربية بين العديد من الطوائف والمذاهب الدينية والعرقية في داخل الوطن الواحد أو بين مجموعة من الأوطان نتيجة عدم تحقيق المواطنة بمفهومها الدقيق والفعال لوجود فوارق متباينة في المبادئ والأسس التي تبني كيان المجتمع.
- وجود قوى خارجية وداخلية تسعى لتأليب الصراع بين أبناء العالم العربي ، بل بين أبناء الوطن الواحد بغية تحقيق مكاسب ذاتية لها على حساب مصلحة الوطن العليا ، وعندما تشعر بعض القوى الانتهازية بأن الأفراد لا يمتلكون حس المواطنة سينفذون من هذا النسيج الرخو من الجسد المجتمعي لخلخلة عضد الوطن وتفكيك أركانه.
- عدم تحقيق الديمقراطية بمفهومها الحقيقي أدى إلى الشعور بغياب المواطنة لدى بعض الشرائح الاجتماعية في المجتمع الواحد ، الأمر الذي يؤدي إلى شيوع الصراعات العديدة بين أبناء الوطن الواحد ومن ثم تعرضه إلى التفكيك والتقسيم والتشرذم.
ولكل ما ذكر من أسباب وغيرها الكثير نرى ضرورة إضافة مقرر التربية الوطنية لأبنائنا في كل مراحلهم التعليمية حتى نعمق روح الانتماء الحقيقي للوطن ، شريطة أن يتوافق التنظير والتطبيق معا وإلا سنظهر وكأننا ندور في طواحين الصراعات دون جدوى.