العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى العام
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-06-2017 , 10:31 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Icon37 لماذا لا يصل الاقتصاديون إلى حل ؟



جلال أمين

اثناء دراستي للاقتصاد في كلية لندن للعلوم الاقتصادية و السياسية كنت إذا سرت من حجرة للأخرى في مكتبة الكلية ، أشاهد المجلدات الضخمة التي تقف على الرفوف و تضم آلاف المقالات الاقتصادية التي كتبت عبر عشرات السنين . كنت أقول لنفسي : ألم يعثر الاقتصاديون بعد كل هذه السنين على حلول للمشكلات الاقتصادية الأساسية ، كالتضخم و البطالة ، و عودة الركود الاقتصادي بين الحين و الآخر ، مما تدل عليه عودتهم إلى الكتابة من جديد عن المشكلات نفسها و كأنها تواجههم لأول مرة . تذكرت أيضاً تلك الواقعة الطريفة التي حدثت بعد أسابيع قليلة من وقوع الأزمة المالية الكبيرة في سنة 2008 في بريطانيا و دول غربية أخرى كثيرة ، إذ قامت الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا بزيارة هذه الكلية العريقة في جامعة لندن و اجتمعت بعدد من أساتذة الاقتصاد بها ، و نشرت الصحف أن الملكة وجهت إلى الأساتذة السؤال الآتي : «أبعد كل هذه السنين من البحوث الاقتصادية و كل هذا العدد من الكتب و المقالات عن الأزمات الاقتصادية ، لازلتم عاجزين عن التنبؤ بحدوث أزمة جديدة كتلك التي حدثت في 2008 ، و من ثم عاجزين أيضاً عن تقديم النصائح بالسياسات الواجب اتخاذها لتجنب حدوثها؟». كتبت بعض الصحف أيضاً أن أحد الأساتذة الذين التقوا بالملكة قدم تفسيراً لهذا العجز هو في الحقيقة أقبح من الذنب ، إذ قال إنهم يركزون في تحليلاتهم الاقتصادية على بناء نماذج رياضية تقوم على فروض بسيطة بعيدة عن الواقع ، فلا عجب أنها غير صالحة لا للتنبؤ و لا لتقديم الحلول . ما هو سر هذا العجز و تكراره المرة بعد الأخرى ، رغم ما للأزمات الاقتصادية من أضرار فادحة بالمجتمع بمختلف شرائحه ؟ يقول البعض إن علم الاقتصاد مثل سائر العلوم الاجتماعية ليس مثل العلوم الطبيعية ، إذ أن الظواهر الاقتصادية و الاجتماعية عموماً يصعب جداً قياسها ، و من ثم يصعب أو من المستحيل التنبؤ بما يحدث لها . خذ مثلاً ظاهرة«الطبقة الاجتماعية» ليست من السهل أبداً أن نحدد أين تبدأ الطبقة و أين تنتهي ، و إلى أي حد يعتمد تحرير الطبقة الاجتماعية بناءً على اختلاف مستوى الدخل أو الثروة أو بناءً على نظرة الطبقات الأخرى إليها ، أو نظرة الفرد إلى نفسه فيعتبر أنه ينتسب إليها أو إلى غيرها ؟ فإذا كان من المستحيل تحديد «الطبقة الاجتماعية» بدقة فكيف نعرف بدقة العوامل التي يمكن أن تؤثر فيها و من ثم أن تتنبأ بمصيرها ؟ من التنبؤات الشهيرة في تاريخ علم الاقتصاد ما يعرف باسم «الإفقار المتزايد» الذي يقول إن الفوارق بين الأغنياء و الفقراء سوف تتجه إلى الاتساع ، مما لابد أن يؤدي في النهاية إلى ثورة الفقراء على الأغنياء و مصادرة أملاك هؤلاء ، و إحلال الدولة «الاشتراكية» محل الدولة الرأسمالية . ما هي حدود هذا الفقر المتزايد ، ما بدايته و ما نهايته ؟ و هل لهذا الفقر قيمة مطلقة أم نسبية ؟ و ما هو الحد الذي إذا بلغه الفقر أدى إلى ثورة ، و إذا لم يبلغه استمر الحال على ما هو عليه ؟ قل مثل هذا عن علاقة الركود الاقتصادي بالحالة النفسية للمستثمرين . متى بالضبط يحل التشاؤم بالمستثمرين إلى حد توقفهم (أو توقف أغلبهم) عن الاستثمار ؟ بل و إلى أي مدى يجب أن ينخفض الاستثمار حتى يعم الركود و البطالة .. الخ ؟ الظواهر الاقتصادية ليست ظواهر مادية بحتة كارتفاع درجة حرارة الماء مما يؤدي عند نقطة معينة إلى تحول الماء إلى بخار . إنها ظاهرة نفسية و اجتماعية لم تكتشف بعد طرق لقياسها (إن كان قياسها ممكناً أصلاً). و من ثم يظل الاقتصاديون يقومون «بالتخمين» الذي إذا صح مرة فلابد أن يخيب مرات . الطريف في الأمر أن الاقتصاديين نادراً ما يكونون على استعداد للاعتراف بهذه الحقيقة . فهم يستمرون في إنتاج النماذج و النظريات الاقتصادية و كأنها تمكنهم من التنبؤ ، و مستمرون في التنبؤ و كأن تنبؤاتهم يمكن أن تصدق . و من الطريف أيضاً أن السياسيين (و بقية الناس) يظهرون الثقة بتنبؤات الاقتصاديين ، و يستغربون إذا لم تتحقق . لا عجب إذاً أن تتكرر الأزمات الاقتصادية في بلد عدا آخر ، و يظهر الناس عجبهم من أن الاقتصاديين لا يملكون حلاً لهذه الأزمات . يصعب أن تصب اللوم على الاقتصاديين إذ أنهم يتخذون هذا الموقف من باب الدفاع عن النفس ، و الاحتفاظ بما يحظون به من سمعة ، كما أن من الصعب أن تلوم السياسيين الذين يفضلون الزعم بأن حل هذه المشكلات لا يدخل في دائرة اختصاصهم بل يدخل في اختصاص الاقتصاديين . من أسهل الأمور أن نصب اللوم على «التجار الجشعين» مع أنهم قد يكونون أبرياء تماماً من حدوث المشكلة أصلاً ، و قد لا يحققون من الأرباح ما يزيد عما كانوا يحققون قبل الأزمة أو بعدها ، إن المسؤولية تقع في الحقيقة على «علم» ليس دقيقاً بطبعه ، بل قد يكون من المعقول جداً الشك في كونه «علماً» على الإطلاق . هناك بالطبع جزء ما يسمى «بعلم الاقتصاد» يتسم بدرجة عالية من الدقة (إلى حد إمكان التعبير عنه رياضياً) و هو يمثل جزءاً كبيراً مما يدرس في الجامعات و لكن هذا الجزء البالغ الدقة يعيبه أنه مجرد «تحصيل حاصل» أي لا يزيد على أن يكون تعبيراً عن حقائق معروفة و بديهية ، لكن استنتاجها بسهولة من مجموعة من الفروض البديهية بدورها . و لكن هذا الجزء قليل الجدوى بالطبع (إلا لأغراض التدريس) يدرسه التلاميذ و يمتحنون فيه دون أن يكون له تطبيقات عملية ذات فائدة . إن هذا الجزء صحيح لأنه بديهي ، و لكنه قليل الجدوى لكونه بديهياً يستحيل أن يحدث عكسه , و قد قيل مرة بحق إن التقريرات «العلمية» لا تكتسب وصف العلم بحق إلا إذا كان من المتصور أن يحدث عكسها .

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا تملأ أكياس "التشيبس" بالهواء ؟ البرواز و الصورة المنتدى العام 0 12-09-2017 09:50 PM
لماذا تقدم الغرب و تخلفنا ؟ البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 20-09-2016 01:48 AM
السبت الحزين : لماذا يكره طلابنا مدارسهم ؟ البرواز و الصورة المنتدى العام 0 31-08-2013 04:19 PM
لماذا فشل فكر ابن رشد في السياق الإسلامي ؟ البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 22-07-2013 01:28 PM
لماذا تماسك النظام ؟ البرواز و الصورة منتدى الرأي و الرأي الأخر 0 06-02-2013 10:33 PM


الساعة الآن 02:53 AM