عبدالله بن بخيت
وصلتني مئات الرسائل تحمل صوراً و فيديوهات و تعليقات عن قيادة المرأة للسيارة . أصبحت سياقة المرأة في شوارع المملكة حقيقة , غداً سوف ننسى هذه المفاجأة و كأنها تحدث من عشرات السنين . حتى من قاتل بشراسة ضد حق المرأة سوف ينسى و يتمنى أن ينسى الجميع , سوف يبحث عن قول يؤكد فيه أنه لم يكن يعارض و لكن كان يريد تنظيم المسألة فقط . بعض الرسائل التي بلغتني تؤكد أن انطلاقة المرأة في قيادة السيارة عمل رمزي لا قيمة له و يطالب الناس أخذه بهدوء و تمريره كأنما هو يوم عادي . أظن أنه يوم تاريخي يستحق الاحتفال , فالتاريخ لا تصنعه الانتصارات في الحروب و لكن تصنعه انتصارات الإنسان على نفسه و على عقبات تقدمه . الحروب تغير المعادلات السياسية و الاقتصادية و لكنها لا تحمل في داخلها بالضرورة نصراً للإنسان . الجهود التي يبذلها الإنسان للنصر في الحرب أقل من الجهد الذي يبذله في تغيير مواقف أو قيم . مشاهدة امرأة تقود سياراتها في شوارع المملكة يحمل كمية من الدلالات الحضارية و تقدماً إنسانياً نوعياً , لا يقل عن مشاهدة امرأة تذهب للمدرسة أول مرة . ينطوي على اعتراف صريح بالأهلية . نفس الاعتراف الذي تحقق بإلحاق المرأة بالمدرسة . لو قرأنا الجدل الذي دار بعد صدور قرار فتح مدارس للبنات لما رأينا اختلافاً عن الجدل الذي دار حول حق المرأة في قيادة السيارة . في كلا الجدلين كان المعارضون يرون أن المرأة مسألة جنسية , رفضهم لهذا الحق أو ذاك يأتي دائماً بسبب الخوف من أن يؤدي اكتسابها للحق أياً كان إلى خروجها و اختفائها عن عين الرقيب المكلف . المبدأ الذي يقوم عليه الرفض يرتكز على حمايتها من نفسها , من عدم قدرتها على ضبط سلوكها . عندما تقود سيارتها ستذهب بعيداً , سوف تتوارى عن الأنظار ستكون حرة تفعل ما تشاء . هذا اليوم سوف يحطّم الفرق بين المرأة كإنسان و المرأة كفكرة . المعارض لحق المرأة في قيادة السيارة لا ينظر للمرأة التي أمامه أو المرأة التي تعيش معه و إنما يراها من منظور نظري . فاليهودي مثلاً هو محتل غاصب و مرابٍ إلخ , هذا مفهوم اليهودي كفكرة . لكن من قدر له أن يساكن يهودياً أو يصادقه أو يزامله سوف يراه أنساناً لا يختلف عن أي إنسان آخر . عندما نتحدث عن الياباني عن بعد سوف نراه تايوتا و سوني و موتسبيشي . لكن عندما نذهب إلى اليابان و نعيش بينهم سنرى إنساناً مثله مثلنا . النظرة التي تفصل بين الإنسان و بين الأفكار التي نحملها عنه هي التي ولدت كثيراً من الأذى للمرأة . يوم قيادة المرأة للسيارة هو يوم تاريخي , سوف يحطم الفكرة و يضع المرأة على حقيقتها الإنسانية .
تعليق : هذا الكاتب مدهش في طريقة توضيحه للامور , فقط شوف كيف راح يكون تفكيرك بعد ما تقراء المقال و قبله . يعني بعد ما تفهم الفرق بين الانسان و بين الفكرة اللي كونتها عنه راح تكون أكثر عقلانية و انسانية في حكمك على الأخر . عبد الله بن بخيت صوت للحكمة و الرقي الفكري و الانساني .