محمد بن عبداللطيف ال الشيخ
لو كنت أؤمن بالمؤامرة سبباً لبعض الظواهر الحديثة و غير المبررة لجزمت أن ما تُمارسه (داعش) هي مؤامرة على الإسلام لإظهاره بهذا المظهر الدموي و المتوحش و غير الإنساني بمقاييس العصر . غير أن من يقرأ أدبيات بعض المشايخ المعاصرين ممن يصرون على استحضار التاريخ البعيد بكل تفاصيله الحياتية الصغيرة و فرضه على الواقع و اعتبار أن هذا من متطلبات الدين و شروطه يُدرك أن داعش و القاعدة هما نتاج طبيعي لهذا الفكر الماضوي الذي لا يرى الحاضر فضلا عن المستقبل إلا من خلال عصور خلت و انتهت و يعتبر أن العودة إلى حياة الماضي بأدق تفاصيلها آنذاك من مقتضيات الدين . أما النتيجة لهذا الفكر فكانت (داعش و أخواتها)! الغريب الذي ألاحظه على بعض المشايخ في بلادنا و كذلك أتباعهم من العوام و الدهماء ، أنهم يتفقون بشكل يكاد يكون إجماعياً - إلا ما ندر - على أن (داعش) ظاهرة تُسيء للإسلام و تشوهه في هذا العصر و يجب العمل على اجتثاثها كحركة و كفكر ثم إذا سألتهم عن بعض التفاصيل التي تطبقها داعش و هل هم يقرونها أو يعارضونها تجدهم يتهربون من الإجابة الواضحة الجلية لأنهم يدركون أن الإقرار بعدم صوابية هذه الممارسات التفصيلية يعني بالضرورة أنهم ينسفون (منهجهم) الذي يعتبر أن الحياة و تعاملاتها في القرون الماضية و ليس فقط نقاء العقيدة هي (المعيار)، فالمسلمون في القرن الأول كانوا يعتبرون أن (جهاد الغزو) - مواكبة مع شروط عصرهم لنشر الإسلام - واجب ، و كانوا يسبون غير المسلمين من المحاربين و يسترقونهم ، و كانوا يفرضون (الجزية) ، و كانوا يقاتلون كل من يستطيعون قتاله (ابتداء) من غير المسلمين و يستبيحون دماءهم , بل إن بعض السلف يرون كذلك استباحة دماء بعض طوائف المسلمين ممن سموهم (الطوائف الممتنعة) و قتالهم و قتلهم لأنهم حسب معاييرهم (مرتدون) حتى وصل التطرف بأحد فقهاء السلف إلى اعتبار الشيعة أكفر من اليهود والنصارى , ثم تساءل : ألستم من يطالب بجلب حياة الماضي إلى عالم اليوم في كل تفاصيل الحياة و تتخذون من ذلك منهجًا لكم ؟ فلا تجد إجابة شافية إلا الشتم و التقريع و التشكيك في نواياك . الإسلام - أيها السادة - كما نزل على محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلوات و أجل التسليم هو دين و عقيدة , و من يقرأ ما اصطلح الفقهاء الأوائل على وصفه بأركان الإسلام التي بها يدخل المسلم إلى دين الإسلام ليصبح دمه حراماً و عرضه حراماً و ماله حراماً ، لوجدها خارج نطاق الخلافات السياسية و المذهبية و أنها تتعلق (بالفرد) ولا تمتد للمجتمع , فلا أحد في عالم اليوم عالم الحريات سيقول لك لا تشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله و لا تُقيم الصلاة و لن يمنعك من صوم رمضان و لا أن تؤدي الزكاة و لا أن تحج إذا استطعت إليه سبيلاً ، و السؤال : لماذا لم يُلحق الفقهاء (الجهاد) مثلاً بأركان الإسلام ؟ و لماذا لم يُلحق السبي و استرقاق الأعداء و فرض الجزية عليهم بعد حربهم و هزيمتهم أيضاً ؟ بل لماذا علق الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حد السرقة في عام الرمادة بسبب المجاعة و لم يُطبقه مع أنه أمرٌ قرآني بحجة أن مصلحة المسلمين (حينها) تتطلب عدم تطبيقه ؟ ألا يعني ذلك أن المعيار مصلحة المسلمين تدور معهم (أحكام الشريعة) حيث دارت ظروفهم و نوازلهم تبعاً لها لا تعالياً عليها ؟.. ثم ما رأيكم بهذا الحديث الصحيح المتفق على صحته عند البخاري و مسلم : (جاء رجل إلى رسول الله من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دويَّ صوته و لا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام . فقال رسول الله خمس صلوات في اليوم و الليلة ، فقال : هل عليَّ غيرها ؟.. قال : لا إلا أن تطوع ، قال رسول الله: و صوم رمضان , فقال : هل عليَّ غيره ؟ فقال لا إلا أن تطوع ، و ذكر له رسول الله الزكاة ، فقال : هل علي غيرها ؟ قال لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل و هو يقول : و الله لا أزيد على هذا و لا أنقص ، فقال : أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق) .. فالرسول عليه الصلاة و السلام أقرَّ له بالفلاح و دخول الجنة ، فكيف يستقيم ذلك مع منهجكم الذي يُبيح دم كل من حكم له الرسول بالجنة لأنه يختلف مع اجتهاداتكم خارج هذه الشروط ! هذا هو الإسلام و الطريق إلى الفلاح حسب شهادته صلى الله عليه و سلم و ليس تصنيفات الدواعش و منهجهم و من سايرهم .
نقلاً عن الجزيرة
تعليق : مشكلتنا في العقول المتخلفة و الجاهلة من مشايخ اخذو لقب لا يستحقونة و عامة غبية نشئت على ثقافة و عادات جاهلية و متزمتة و لا فيها تسامح أو أنسانية و التي تعبر عنها الفقرة التالية من المقالة خير تعبير : غير أن من يقرأ أدبيات بعض المشايخ المعاصرين ممن يصرون على استحضار التاريخ البعيد بكل تفاصيله الحياتية الصغيرة و فرضه على الواقع و اعتبار أن هذا من متطلبات الدين و شروطه يُدرك أن داعش و القاعدة هما نتاج طبيعي لهذا الفكر الماضوي الذي لا يرى الحاضر فضلا عن المستقبل إلا من خلال عصور خلت و انتهت و يعتبر أن العودة إلى حياة الماضي بأدق تفاصيلها آنذاك من مقتضيات الدين .