محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ
أحترم الرجل المتشدّد الأصيل والمتوائم مع تأصيله وإن اختلفت معه ، بينما أحتقر الرجل المتشدّد المزيّف ، الذي ينافح عن رأي وتأصيل معين ، ثم إذا دعته الأهواء ضرب برأيه وما يقتضيه تأصيله عرض الحائط ، وسلك منهجاً مغايراً لما كان يُدافع عنه.
كنت وما أزال أعتقد أن ما يُسمى بالاختلاط مصطلح مُفبرك , لم يعرفه القاموس الفقهي إلا مؤخراً ؛ فقد كان الرجل والمرأة طوال تاريخ الإسلام يعملان في الأسواق بيعاً وشراءً ، وفي رعي الماشية في البادية ، وكذلك في المزارع سوية ، بل وإذا اقتضى الأمر تُشارك المرأةُ الرجلَ في الحروب والغزوات كما هو ثابت بشكل قطعي لا يقبل المكابرة في كتب السير والتاريخ ؛ غير أن التوسع في (سد الذرائع) وإعمالها في كل صغيرة وكبيرة من مناحي الحياة جعل المتشدّدين ينتهون إلى نهايات لا يمكن أن تواكب ضروريات العيش السوي ، ولا تنسجم إطلاقاً مع تاريخ المجتمعات الإسلامية ، والأخطر أنها أصبحت من أهم عوائق التنمية الاقتصادية بمعناها الشامل ؛ ففرضوا على حياة المرأة الاجتماعية قيوداً ما أنزل الله بها من سلطان ؛ ومع الزمن أصبحت هذه القيود كأنها من المعلوم من الدين بالضرورة ؛ من اختلف معها فقد اختلف مع الدين ومقتضيات الشريعة.
المتشدّدون هؤلاء ينقسمون إلى قسمين : قسم أصيل ، مُنسجم مع ما يطرح ، مُلتزمٌ بمقتضيات ما يقول في كل مناحي الحياة ؛ هؤلاء لا تملك إلا أن تحترمهم وإن اختلفت معهم.
وقسم آخر (مُزيّف) ، انتهازي، ميكافيلي ، الغاية لديه تبرر الوسيلة ؛ فهو يُمارس التشدّد ليس عن قناعة ، وإنما حسب الأهواء , فإذا احتاج إلى المرأة كوسيلة لتحقيق غاياته (وظَّفها) واستغلها في أبشع صورة ، وإذا استغنى عنها وعن جهودها أعادها لتستقرَّ في بيتها كأنها قطعة أثاث.
المتظاهرون للإفراج عن معتقلي الإرهاب هم من النوع الثاني أعني المتشدّدين المزيّفين ؛ يُخرِجون المرأة ومعها أطفالها للتظاهر في الطرقات والأسواق للضغط على الدولة لإطلاق سراح معتقلي الإرهاب ، ويُدخلونها في قضايا سياسية شائكة ، ولو سألت أحدهم : ما رأيك في الاختلاط لحرَّمه ، بل وبعضهم يرتقي به ليجعله من (الموبقات) . طيّب : إذا كان الاختلاط مُحرّماً كما تدّعون ، والمرأة يجب أن تَقَرَّ في بيتها ، فكيف أجزتم لها أن تخرج وتتظاهر ، وتُخاصم ، وتنتظمُ في المسيرات ، وترفع الشعارات ، أليست هي في رأيكم (الجوهرة المصونة) التي يجب أن يكون شغلها الشاغل بيتها وتربية أبنائها وخدمة زوجها ، ولا تتدخل في قضايا السياسة التي يجب أن تنحصر في الرجال ، ويبتعد عنها النساء ؟
التناقض هنا ظاهر وجلي لا يمكن أن يجادل فيه إلا مغالط ؛ وفي الوقت ذاته يؤكّد ما كنا نقوله ونردده ومؤداه أن هؤلاء القوم طلاب سياسة لا دعاة دين؛ فالدين لديهم مجرد (وسيلة) وجسر يَعبرون من خلاله إلى غاياتهم ومصالحهم . وهؤلاء لا يختلفون - أيضاً - عن أحد مدّعي الوعظ والدعوة وهو متناقض من رأسه حتى أخمص قدميه ؛ صاحبنا هذا لا يمل يُحرم الاختلاط ، ويدّعي أن وزارة العمل ومن أجاز الاختلاط المنضبط الذي لا خلوة فيه من الفقهاء قد ارتكبوا شططاً ؛ ثم نكتشف صدفة أن هذا (الحكواتي) نفسه قد شَدَّ رحاله إلى دبي ، وحاضر بشكل مباشر و(مُختلط) في نساء دون أي قدر من الحياء ؛ فكيف صار الاختلاط بالله عليكم في دبي حلالاً وفي بلادنا حراماً ؟
صحيح أن علماءنا كانوا في الماضي متشدّدون ، غير أن تشدّدهم -رحمهم الله- كان عن قناعة ، وعن تقوى ، وعن رؤية رأوها واقتنعوا بها , فتراهم مُنسجمون مع الفكرة التي يرونها ومع مقتضيات قياساتها، لا يكيلون بمكيالين لأنها نابعة من كونهم يخافون الله رب العالمين أولاً وأخيراً . أما المزيّفون من الصحويين فهم مجرد لحى كثَّة وثياب قصيرة ومظاهر تُوحي للبسطاء والسذّج بأنهم متدينون ؛ أما الجوهر فواحد من اثنين : إما (سياسي) انتهازي محض ، أو (تاجر جشع) يُتاجر بمفاهيم التشدّد وقلبهُ وقلب أشعب صِنوان !
*نقلاً عن "الجزيرة" السعودية
تعليق : التشدد كلة سوا" كان اصلي أو مزيف شر و وبال على المجتمع و هذا نتيجة التعليم الرديء و التخلف الفكري في الدين و الحياة بشكل عام . لذلك اسوا شي في الحياة أن يكون هولاء في موقع مسؤولية لانهم متخلفين و متشددين و شرهم أكثر من نفعهم فاحذروهم . ذلك صارت اللحية و الثوب القصير رمز للشر و ليس الدين المتسامح الواعي المتعايش مع غيرة .