العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-01-2018 , 01:22 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Ham تأملات حول التفاهات



فهد سليمان الشقيران

لو افترضنا أن أحداً استل نفسه من كل فضاء التكنولوجيا الحالي لمدة ساعات أو أيام فستتكشف له مستويات الهدر الفارغ من الوقت على مشاهدة السخافات ، أو تتبع الصغائر ، أو الاهتمام بتوافه الأمور . و مع شدة التفريخ للتطبيقات الإلكترونية صارت البضاعة الرديئة هي الطاغية و المتسيدة للمشهد . هناك رعاية و حفظ و تعليب للتفاهة ، و ذلك بغية تحويل «التفاهة» إلى منتج يستحق التصدير و التكرير و التعليب و من ثم إغراء المستهلك به . هذا ما نتابعه من خلال تحول كثير من نجوم «السوشيال ميديا» إلى أصحاب رأي ، أو كتاب ، أو إعلاميين ... و هذه كارثة إذ يتم استسهال و استباحة كل شيء ، و الأخطر حين يتصدرون المشهد بوصفهم موجهين لأبنائنا و صغارنا و ذلك من خلال حفلات التهريج الاعتباطية . قبل عقدين فقط من الزمان كان نشر مقالة أو الظهور في أي وسيلة إعلامية مرتقى صعب سلمه يحتاج الهاوي إلى تدريب ذاته ، و صقل موهبته ، و من ثم الدخول بعد صراع مرير في غمار تجربة النشر و الإعلام . مع الظاهرة السوشيالية بات الأمر أكثر سهولة ، بل ثمة من يسخر الآن من قامات صحافية و ثقافية و فكرية كبيرة في المجتمعات باعتبارها لا تعرف التكنولوجيا أو لا تتعاطى مع التطبيقات الحديثة مثل «تويتر» و «سناب شات» و «فيسبوك» و «إنستغرام» إذ تحاول هذه الفئة الصاعدة تدمير المنجز الثقافي و الإعلامي السالف باعتباره من «آثار التاريخ»، و تحاول جيوش التفاهة أن تقتص من المنجز الحقيقي الثابت من خلال طوفان الثرثرة التي تنثرها على تطبيقات «السوشلة». مع موجة الأنشطة الترفيهية الكبرى في السعودية ثمة ملاحظتان أساسيتان تتعلقان بجانب الصراع بين المنتج الحقيقي و الآخر التافه المزيف , أولاهما : ضرورة الاستمرار في تجاوز استضافة نجوم «السوشيال ميديا» و ذلك لأغراض الإنشاد أو التمثيل و إلقاء المحاضرات أو تجارب النجاح . و الثانية : الانطلاق من الرقي الذي مثلته الفعاليات الترفيهية الشعرية و الموسيقية و جعلها هي الأصل لأي عمل يوجه للمجتمع ، و ذلك بغية تنظيف الواقع من الدمامات التي رانت على جسده بعد طول إهمال ، حيث تم تسليم المجتمع و الواقع و المنصات كلها لأولئك النجوم ، وسط تغييب و خوف من النقاد و الأدباء و الشعراء و الملحنين و إتاحة المسارح لحفنة من الجهلة الذين ينشرون التفاهة بوصفها منتجاً متكاملاً يستحق التقدير و الاغتباط . لو تأملنا في المجتمعات التي حرست ذوقها من التلويث لوجدنا الاعتناء بعرض المنتج الحقيقي المبوب و العميق على كل المستويات ، و حين تكون لدينا دار أوبرا في الرياض - و هذا بإذن الله أمر قريب - فإن المنتج الذي يطرح فيها يجب أن يكون بمستوى المعروض في العالم على كل المستويات الموسيقية و الأوبرالية و المسرحية . و من دون هذه العناية تتحول كل المشروعات إلى مبانٍ مفرغة من المعاني ، و إلى كهوف و تحف ضخمة من دون أي روحٍ تربي الذوق و تحرسه و تتعاهده ، و لدينا نماذج ناجحة لدور الأوبرا في الإمارات و سلطنة عمان و الكويت و غيرها يمكن الاستفادة منها و الانطلاق من حيث انتهت . مر زمن كنا نتخوف فيه من نتائج وسائل «السوشيال» على مستويات انتشار الجريمة و المخدرات و الإرهاب ، و الآن و بعد تصاعد المد الأمني الذي سيطر بشكلٍ لافت بالتعاون مع مُلاك تلك التطبيقات ، بات لزاماً علينا تعاهد ذواتنا من آثار هذه الوسائل المدمرة و السارقة للوقت و الحياة ، و المسببة للأرق و الوسواس ، و الساحبة للإنسان من علياء ذوقه و كبير اهتماماته إلى حضيض الكلام و توافه القول و فلتات اللسان ، و هذا أمر معيب على أهل المروءة التائقين إلى التأنق الوجودي و الباحثين عن جلال الأخلاق و الراغبين في الحفاظ على هيبة العلم و الأدب و السمت . إنها موجة جارفة مثل تسونامي يمكن التحذير منه لكن يصعب إيقافه ، و لكنه تحذير بين العقلاء أنفسهم إذ يتعاهد بعضهم بعضاً بالنصح و الإرشاد ، و إلا فإن المجتمعات تتوجه كالقطعان طائعة باحثة عن الحتف الوجودي حيث دوامة التفاهة التي لا يقع فيها الحمقى و حدهم , بل حتى بعض العقلاء و الباحثين و الأكاديميين . يروي صالح علماني عن أمبرتو إيكو وصفاً مهماً أدلى به لصحيفة «لا ستمبا» الإيطالية عن وسائل «السوشيال» قال فيه : «إنهم يتكلمون مثل من يحمل جائزة نوبل , إنه غزو البلهاء».

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 30 ( الأعضاء 0 والزوار 30)
 

أدوات الرقـابة :

الساعة الآن 03:19 AM