د. مشاري بن عبدالله النعيم
في منتدى جدة الاقتصادي الذي عقد قبل أيام قليلة تم طرح حلول عالمية لمشكلة الاسكان في المملكة، والحقيقة أنني لا أعلم كيف يمكن طرح «حلول عالمية» لمشكلة اجتماعية محلية وكيف يمكن الاستفادة من هذه الدروس أو الحلول العالمية ونحن أصلا لم نشخص المشكلة المحلية بعد. على كل حال لنفترض فعلا أننا بحاجة إلى أن نتعلم من خبرات العالم في الاسكان، والحلول التي توصلوا لها لحل مشاكلهم السكنية، هل وزارة الاسكان قامت بدراسة «الأسرة السعودية» واحتياجاتها، فهذه الأسرة هي المعنية بالأمر وهي التي تقام من أجلها مشاريع الإسكان، فهل أسست وزارة الإسكان «مرصدا للأسرة السعودية» يعتني بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها الأسرة في كل منطقة على حدة؟ وهل قامت بدراسة حاجة الأسر من العمل، فمن أدبيات الإسكان في العالم (الذي تحاول الوزارة أن تتعلم منه) أن أي مشاريع إسكان لا يصاحبها مشاريع لتوفير العمل لا يمكن أن تنجح. والحقيقة أنني استغرب أن الوزارة تبحث عن حلول من العالم ومؤسسة الملك عبدالله للإسكان التنموي على بعد أمتار منها ولم تتعلم من تجربتها، فمؤسسة الملك عبدالله بدأت بالجمع بين تنمية الأسرة وبين توفير السكن لها ووضعت برامج تنموية للأفراد قبل ان تفكر أن توفر لها مساكن. ولكن لعل وزارة الاسكان تعتمد في هذا الأمر على وزارة الشؤون الاجتماعية وربما وزارة العمل أو وزارة الاقتصاد، ونحن لا نرى أو نسمع عن أي اتفاقيات في هذا الصدد ولا نجد أصلًا اي أثر لفكرة التنمية في مشاريع الإسكان التي تقام حاليا وتترنح بشدة حتى أنها تكاد أن تسقط (ولا أقصد هنا متانة المباني بل بطء التنفيذ وتعثر هذه المشاريع رغم أن لنا ملاحظات على متانة وجودة التنفيذ بشكل عام لهذه المشاريع).
المضحك المبكي هو أن الوزارة لديها الاستعداد أن تتعاقد مع شركة عالمية بمليار واربعمائة مليون ريال لتصميم وحدات سكنية لكنها غير معنية بدعوة المهندسين السعوديين لمشاركتها في وضع حلول لإسكان مواطني المملكة العربية السعودية
المحزن فعلا في الندوة التي عملتها وزارة الاسكان في منتدى جدة هي ثقافة المشاركة، فقد كنت الأسبوع الفائت في جدة وشاهدت الملصقات الكبيرة في المطار التي تقول «شارك معنا في صناعة مستقبل الإسكان في المملكة»، والحقيقة هي أنني شعرت بالانزعاج من خبر أن وزير الاسكان طالب بإلغاء أول جلسات المنتدى التي تتحدث عن أزمة الإسكان في المملكة (ورقة الدكتور عبدالله دحلان) (أنظر جريدة الرياض الاثنين 6 جمادى الاولى 1434 ه - 18 مارس 2013م - العدد 16338) فالواضح تماما أن وزارة الاسكان تريد أن تدفن رأسها خشية العاصفة، ومن الواضح أن هذه الندوات التي تشارك فيها وتقيمها الوزارة هي لمجرد «ذر الرماد في العيون» فهي لا تريد أن تصنع الحلول بقدر ما تريد أن تقول للناس أنها تعمل وأنها مازالت وزارة حية.
المشكلة الكبيرة هي عندما سألت الزملاء في مجلس إدارة هيئة المهندسين السعوديين، لماذا لم اسمع عن مشاركة الهيئة في قضية وطنية جوهرية مثل الاسكان، فقالوا لي أنهم لم يتلقوا دعوة للمشاركة. ياوزارة الإسكان كيف تبحثين عن حلول عالمية وأنتِ تتجاهلين وتهمشين المهندسين السعوديين الذين بيدهم الحلول الفعلية، كيف يمكن أن نبني خبرة وطنية في مجال الاسكان والوزارة تبعد كل المهندسين المواطنين عنها. المضحك المبكي هو أن الوزارة لديها الاستعداد أن تتعاقد مع شركة عالمية بمليار واربعمائة مليون ريال لتصميم وحدات سكنية لكنها غير معنية بدعوة المهندسين السعوديين لمشاركتها في وضع حلول لإسكان مواطني المملكة العربية السعودية. هذا هو منطق الوزارة وهذه هي الحلول العظيمة التي سوف تأتينا بها.
أنا شخصيا لا أشعر بالتفاؤل من أي عمل تقوم به وزارة الاسكان، لكنني أراقب ما تقوم به، لعل وعسى أن ينصلح الحال، لكني كل مرة أشعر بخيبة أمل كبيرة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. هذه الوزارة تتخبط وتسير إلى غير هدى ولن تستطيع إنجاز مهامها لأنها وكما قلت سابقا تريد أن تخترع العجلة من جديد، فالتجارب المحلية الناجحة كثيرة ويمكن التعلم منها لكن الوزارة تريد أن تقدم نموذجا جديدا هي عاجزة بكل المقاييس عن تحقيقه. آخر حجة قرأتها في الصحافة المحلية قالت فيها وزارة الاسكان أن لديها أراضي تكفي فقط ل 50% من احتياجها، ونحن نقول لهم نحن قابلون بالخمسين في المئة وورينا يا إسكان كيف ستنفذون 250 ألف وحدة سكنية، سوف نتنازل عن النصف المتبقى حتى يفرجها الله وتحصلون على باقي الاراضي التي تحتاجون لها. الأمر المزعج هو أن السنوات تمر وحجج الوزارة لا تتغير، الأموال متوفرة والأراضي متوفرة والتجارب المحلية متوفرة والخبرات الوطنية متوفرة ووزارة الاسكان تدير ظهرها لكل ذلك وتريد أن تصنع عجلة جديدة برؤيتها الخاصة. طيب نحن قابلون «بعجلتكم» الجديدة ولكنى متى ترى النور ومتى يستفيد منها المواطنون.
دعونا نراجع معا آخر إحصاءات وزارة الاسكان وأنا الآن، خلال كتابتي هذه الحروف، افتح موقع الوزارة الرسمي وأراجع الإحصاءات المنشورة، حيث يوجد 27850 وحدة سكنية تحت التنفيذ (والله العالم متى سيتم الانتهاء منها) و 48437 وحدة تحت الطرح ولا يوجد أي مشاريع أخرى تحت التصميم أي أن مجمل ما فكرت فيه الوزارة من مساكن هو 76287 وحدة سكنية غير معروف أصلا متى سيتم الانتهاء منها. طبعا كلنا نعرف أن مهمة الوزارة هي بناء 500 الف وحدة سكنية خلال خمسة أعوام، وقد تنازلنا اليوم عن نصفها يعني باقي 250 الف وحدة سكنية وقد مرت سنتان على بداية المشروع وباقي ثلاث سنوات، والمتبقي الذي يفترض أن تفكر في بنائه الوزارة هو 173713 وهو رقم مميز كما يلاحظ القارئ، وبالطبع هذا الرقم يمثل نصف مهمة الوزارة التي أوكلها لها خادم الحرمين حفظه، والواضح أن نصف هذه المهمة ستتطلب سنوات طويلة حتى يتم تنفيذها (هذا إذا تم تنفيذها أصلا).
أنا لا أورد هذه الأرقام جزافا، وهي على كل حال ارقام رسمية من الوزارة، لأن المشكلة هي ليست فقط في تنفيذ المشاريع بل في دراسة المشاريع نفسها وملاءمتها للأسرة السعودية لأن قناعتي الشخصية أن المساكن التي تنفذها وزارة الإسكان الآن لن تكون صالحة للسكن عندما تنتهي الوزارة من تنفيذها. المشكلة تكمن في الرؤية وفي البداية الصحيحة، والذي نراه بأم عيوننا هو أن الوزارة تغرد لوحدها.
تعليق : الفت انتباة القارئ إلى الجملة الأخيرة في المقال " المشكلة هي ليست فقط في تنفيذ المشاريع بل في دراسة المشاريع نفسها وملاءمتها للأسرة السعودية لأن قناعتي الشخصية أن المساكن التي تنفذها وزارة الإسكان الآن لن تكون صالحة للسكن عندما تنتهي الوزارة من تنفيذها."
هذة هي المشكلة الرئيسية أن الموضوع هو فقط بناء مساكن و السلام بغض النظر عن ملاءمتها أو لا للسكن . انظر الصورة المرفقة في الاعلى لأحد المشاريع المنفذة حتى ترى كيف من شكل التصميم أنها ضيقة و غير مريحة رغم المساحات الهائلة من الاراضي المتوفرة لكنة العجز الإداري العقيم و عدم فتح مثل هذة المشاريع الحيوية للنقاش العام قبل تنفيذها و مشاركة الجهات الفنية المختصة مثل جمعية المهندسين السعوديين فية . للاسف أن هذا الموضوع مكرر في بقية دول الخليج أن الحكومة تنفذ مشاريع بدون الرجوع للمستفيد و أخذ رأية من خلال مناقشة عامة و النتيجة خسارة مادية و معنوية , و هذا راح ينعكس على امور كثيرة من الأنتاجية و أنت طالع , لان السكن الملائم من اساسيات الحياة .