حمزة السالم
حكم رسول الله في بني قريظة بحكم حليفهم سعد بن معاذ فقتل الرجال وسبيت النساء و الذرية ، و الديار و الأموال و أصبحت غنيمة طيبة لله و رسوله و مقاتلة جيش المسلمين . و هو حكم نزل به جبريل من سبع سماوات و قد قال تعالى من قبل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض}. بينما عفا عليه السلام عن حاطب البدري -رضي الله عنه- و بشره بعفو من الله لا يزول فضمن حاطب الجنة . فكيف افترق الحكمان و قد أتى حاطب أمراً أعظم و أدهى مما فعلته قريظة . و ما غزا عليه السلام غزوة و لا أرسل سرية فظفر بمال إلا قَسَمَ خمسه ثم وزع الغنائم و السبي من النساء و الأطفال بين مقاتلة الجيش . و ذلك امتثالاً لأمره سبحانه في سورة الأنفال : {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الآية . و الغنائم أطيب الرزق لقوله تعالى {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا}. فجاء عمر فمنع الجيش طيب الرزق بمنعهم غنيمة أرض السواد فلم يقسمها عليهم . و لم يوثق الرق و يثبت أحكامه دين في أصل تشريعه إلا الإسلام . و جاء الفيصل - رحمه الله - فمنع الرق و حرر الرقيق بأمر ملكي و لم يعارضه الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله . و الشيخ محمد - رحمه الله - لو تعامل بالموقف نفسه مع بعض الأمور الإدارية التي اعتقد أنها حكم بغير ما أنزل الله فاعتبر فعلها كفراً و كتب في ذلك الرسائل ما أصبحت كتاباته مرجعاً للمتطرفين . و لو أصل شرعاً مسألة منع الرق لما خرج علينا من يبكي على قرار يحدد تزويج الصغيرة بمن يناسبها في عمرها بل ما خرج علينا كل من يزعم الاحتساب . فلو عرف الشرع بتأصيل شرعي لمسأله منع الرق لاحتسب على نفسه فبكى ذنوب احتسابه على قرارات ولي أمر المسلمين . لكن غلبت الشيخ - رحمه الله - تبعية منهج أسلافه كما غلبت شيخ الإسلام بن تيمية تبعية فقهاء زمانه فخاض في أقوال فقهاء المذاهب . و هذا دليل على قوة غلبة التبعية و عذر للقدامى ، و إلا ففكر بن تيمية عظيم مستقل يتناقض مع منهج سرده لأقوال المذاهب في المسائل الفقهية . فلو أنه أشار بالآراء فقط عبوراً للكتاب و السنة لأسس منهجاً فقهياً راقي الفكر شريف المستند ، فسنده الكتاب و السنة يخرج أمة محمد من ضيعة دوامة آراء الفقهاء و أقوال المذاهب . و قطع رسول الله يد امرأة في عارية و سمل أعين العرنيين و قطع أيديهم من خلاف و تركهم حتى يموتوا عطشاً في حر ظهرة المدينة . و عفا الفاروق عن قطع أيدي السراق عام المجاعة ، و لم يقم عثمان الحد على عبيد الله بن عمر لقتله الهرمزان و هو مسلم و غيره من الفرس إن صحت الرواية . و هناك من يحرف الشريعة و يخفي النصوص لإنكار الشريعة و هو يحسب أنه يحسن ظناً , فتراه يحرف الشرع في فعل عمر بعدم تقسيم أرض السواد على الجيش كالقرضاوي مثلاً ثم يتبعه التابعون المقلدون . فتردد بعض الجامعات الشرعية عندنا تحريفاته فيقولون إن عمر رضي الله عنه اتبع آية سورة الحشر في عدم قسم الغنيمة و تلك أي الفيء في حال عدم إيجاف خيل و لا ركاب و ليس فيها عدم أخذ الغنيمة و لكن فيها عدم تقسيمها على الجيش ، بل تكون كلها لله و رسوله . و مات رسول الله و له في بني النضير مال اختصم فيه العباس مع علي عند عمر رضي الله عنهم . فهي و الله أعلم كمكة عفا رسول الله عنهم و من عليهم بلا أسر و لا قتل و لا سبي لنسائهم و أطفالهم . فلعله و الله أعلم لأنه لم يكن فيها قتال فهي حق لله و رسوله فوهب الحق لأهلها كما حدث في فتح بيت المقدس بلا قتال ، فما للمقاتلة من حق في غنائمه . هذه التخريجات الملفقة من القرضاوي و موافقة من تبعه على ما فيها من هزالة استنباط و كذب على الله و رسوله بتحريف المعاني و إخفاء النصوص ، إلا أنها كذلك لا تنفع إلا مع الموافق أو غير المبالي لا المخالف . (و القرضاوي جعل رأيه وحياً سماوياً فلم أره قط يؤصل مسألة حقيقة على الكتاب و السنة إنما هو سرد لأقوال فقهاء ثم التخير منها برأيه . أو تحريف معاني الآيات و إخفاء بعض الكتاب كما في أمر أرض السواد و تبرير فعل الفاروق بتحريف بعض الكتاب و إخفاء بعض). في اختلاف أحكام الرسول في مواقع و اختلافها مع قرارات الخلفاء الراشدين و اختلافها عندنا بين وضع الرق و بين تزويج الصغيرة و الاحتساب على ما هو حق قرار ولي أمر المسلمين إنما ذكرته للوصول لأمرين : الأول : بما أن الشريعة صالحة لكل زمان و مكان و لا يكون كذلك إلا بإعجاز أصول الوحي من كتاب الله و سنة نبيه و ثباته مع تغير التطبيقات . فأقوال الفقهاء و المذاهب الفقهية هي تطبيقات مستنبطة من فهم لأصول الوحي سواء صح منطقها أو أخطأ . فباعتماد الأمة في دينها على حفظ التطبيقات الفقهية التي ناسبت زمناً مختلفاً تماماً ضاعت أصول الوحي حقيقة و عطل عقل الأمة كلها عملياً . فهذا الذي نراه في غالب المسلمين حتى في حياتهم العملية و الدراسية فترى الكفؤ منهم الذي يجيد التطبيق الذي يعمل عليه في بنكه أو عيادته أو مختبره أو مدرسته أو جامعته و لا يفهم أصله . عرف هذا من عرفه و جهل هذا من جهله فليس حال من هو خارج الفقه بأسوأ ممن هو داخله في الحفظ و التقليد . فلهذا نحن لا نتطور ، و لا نصنع ، و لا نستطيع حلا لأي إشكالية طارئة ، و لا نستطيع الاستقلال عمن يزودنا بالتطبيقات . فالعقلية الفقهية المقلدة الحافظة للتطبيقات - و هي الفتاوى و الآراء - دون فهم أصولها من الوحي غطت على الفكر العربي عموماً و عندنا خصوصاً . و ثانياً : فلهذا أحاجج بأن محاربتنا للفكر الضال بوسائل الإنكار أو التحريف ، أو إخفاء النصوص و الأقوال ، أو بطرق التضييق و التعييب لن تنجح مع الفكر المتطرف أو التكفيري بل سيزيدهم اعتقاداً بصحة فكرهم طريقة تحريف النصوص و إخفاء الأقوال و الآثار و إنكار الوقائع تماماً كما لا ينفع نفس إيمانها و هي تستحي من قتل قريظة و سمل أعين العرينيين . و لن يزيدهم التضييق و التعييب إلا إيماناً بفكرهم ، و هل أشد الإيمان إلا التلذذ من مشاق القيام و الصيام و الحج و الجهاد . و هل يجمع الناس على أديانها بعد تضييعها إلا تضييقه عليهم . لا ينفع مع الفكر السلفي المتطرف اليوم و الذي لم يكن متطرفاً بالأمس إلا خطابهم و محاجتهم به . فهم مخلصون في اعتقادهم بأنهم يتبعون الكتاب و السنة و هذا هو ما يسهل الأمر . فالصادق في دعواه المخطئ في فهمه سهل إقناعه إنما قطع رأس المكابر العالم المدرك بضلاله هو الحل الوحيد لإفهامه و تخويف أمثاله و ردعه . و المتطرفون لا يقاسون بالعدد و لكن بقوة إيمانهم بفكرتهم و لا أقوى من الفكر السلفي . فحتى لو نجحنا في تحييد غالب المجتمع فإن هذا سيزيد من تكاتفهم و إصرارهم على التضحية بأنفسهم في عمليات إرهابية خسيسة في المساجد و المدارس و الأسواق و عظيم النار من صغير الشرر . و نحن نرى كيف بدأ الشرر بتفجير المجمعات السكنية للأجانب و اليوم ظهرت النار بتفجير المساجد . علمونا قبل الذهاب لأمريكا أن لا ندخل مع النصارى و المتأسلمين بعقولهم في جدل حول زواج الأربع ، و تشريع الرق و ميراث المرأة . بل إن نسحبهم لأصل الإيمان بالخالق فإن سلموا بذلك فبرساله الرسل ، فإن سلموا لزمتهم الحجة بكل ما جاءوا به من المسلمات دون الخوض بما لا ينتهي و إضاعة الوقت . و كذلك هو الأمر مع المتطرفين و التكفيريين السلفيين نخاطبهم بجوهر السلفية فإن سلموا بها انكشفت عنهم غمامة تطرفهم و انجلت أبصارهم فعادوا صبية لنا و جنوداً . فما أقوى من السلفية أيدلوجية و ما أبسطها جوهراً لو فهمها دعاتها حقاً و ما و الله فهموها , و لكنها غمامة التقليد و انغلاقية الفكر على التبعية . فجوهر الداء و أصله واحد و إن اختلفت تطبيقاته و أعراضه . فيا ليتنا نحاول أن نجرب فنخرج من صندوق فكر خريجي المدرسة السلفية القديمة . و لكن يجب أن ندرك أنه لا يقدر على فهم عقلية السلفي إلا من عاش مخلصاً بروحه و إيمانه في رحاب الدرعية الأولى ، و انغلق عليها و على الكتاب و السنة ثم انفتح على طرق منهج التفكير المنطقي الحديث الذي يتطور به الغرب .
تعليق : مقال قوي جدا" فية فكر خارج المألوف و طريقة صحيحة لمواجهة التطرف الديني بالحجة و الفهم الصحيح للسلفية و الدين عموما" . لذلك انصح بقراءتة بتمعن كما أنة يبين ماساءة التقليد في كل شيء بدون فهم للمصدر و أنما فقط التركيز على التطبيقات في سائر شؤون حياتنا و هذا ادى لعدم وجود تطوير و تقدم في كل مناحي الحياة عندنا .