عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2016 , 07:38 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,330
أخر زيارة : 08-05-2024 05:35 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon375 لغة الضاد لا بواكى لها



ناجح ابراهيم

من العجيب أن تتسع اللغة الصينية للعلم الحديث و الإنجاز الحضارى رغم صعوبتها و تعقيداتها الشديدة حتى إن من يقترب منها يكاد يكره دراستها .. و لكن الصين اهتمت بها فاهتم بها العالم كله . و من الغريب أن تتسع اللغة اليابانية لكل منجزات العلم و الحضارة رغم عقم أبجديتها و محدودية مفرداتها . و الأغرب أن تحيا «اللغة العبرية» و تسترد من المتاحف و بطون المقابر بعد أن ماتت لألفى عام لتصبح اليوم لغة العلم و الدين و السياسة و تعبر عن أدق المصطلحات و المخترعات العلمية الحديثة فى الفيزياء و الكيمياء و الرياضيات فى إسرائيل و العالم . ذلك فى الوقت الذى تنحسر فيه لغة القرآن الكريم و تعانى الغربة فى بلادها و أوطانها .. «لغة الضاد» تنحسر بانحسار أهلها ، و تنزوى عن التفاعل مع الحياة بانزواء أهلها الحضارى ، و تنكمش بعيداً عن العلم لبعد أهلها عن العلم و زهدهم فى لغتهم و سعيهم لتعلم اللغات الأخرى . فاللغة العربية التى كانت بالأمس صالحة لأن تعلّم العالم و أن تكون لغة الحضارة التى أشرقت على الدنيا لعدة قرون .. هل أصبحت اليوم عاجزة عن القيام بدورها أو تأدية متطلبات الحضارة الإنسانية ؟ لقد كان نزول القرآن الكريم بالعربية موضع إعجاز و تحد لأجيال كثيرة . و لولا أن هذه اللغة حية و نابضة و فتية و مستحقة للخلود و البقاء و النماء ما أكرمها الله بأن أنزل كتابه بها . فاختيار العربية كلغة للتنزيل هو بلا شك تشريف لها من بين سائر اللغات .. و هو فى الوقت نفسه تكليف لها بأداء مهمتها فى تبليغ الوحى الإلهى للناس و تبليغ معانى الحضارة الإسلامية لهم . فـ«العربية» التى وسعت كتاب الله و سنة رسوله و أعجزت الخلق و أوصلت الحضارة الإسلامية التى سادت القرون الأولى بعد عهد النبوة .. هل عجزت أن تكون لغة العلوم و الفنون و الآداب ؟ و لماذا زحفت كل اللغات الأجنبية على كل شىء فى حياتنا ؟ بدءاً من مدارسنا و جامعاتنا و مناهجنا الدراسية و شروط القبول فى الوظائف و تسمية محلاتنا و انتهاء بأسماء أولادنا و بناتنا و تحياتنا فى الصباح و المساء بل و أعيادنا و مناسباتنا . إن أغلب الأسر المصرية و العربية تجعل أولادها تدرس فى مدارس اللغات سواء حكومية أو خاصة . أما الأثرياء و علية القوم و أصحاب النفوذ فيرسلون أولادهم للدراسة فى المدارس الدولية التى تدرس كل المواد باللغات الأجنبية سواء الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية . و لذا يتوقع خبراء التعليم أن يكون خريجو المدارس الدولية هم قادة المستقبل فى مصر و معظمهم يكره اللغة العربية و لا يحب الحديث أو القراءة أو الكتابة بها .. و لا يحب آدابها و لا يريد التعرف على فرسانها .. و لا يريد أيضاً الاطلاع على القرآن العظيم أو أحاديث الرسول الكريم «فالإنسان عدو لما يجهل وعاشق لما يعرف».. وقد ربى فى المدارس الدولية على الجهل بكل ما يمت للعروبة بصلة بما فيها القران والسنة. و بعد أجيال ستصبح الأجيال الحاكمة و الرائدة فى مصر معزولة عن دينها و لغتها ، منفصلة عنها واقعياً و شعورياً ظاهراً و باطناً . و لنا أن نتأمل ماذا فعلت إسرائيل لإحياء «اللغة العبرية» بعد أن ماتت لألفى عام .. لقد بدأت تجربتها فى أواسط القرن التاسع عشر حينما كان اليهود موزعين على مائة دولة و كانوا جميعاً يتحدثون لغة البلاد التى يعيشون فيها .. فرفع مفكرهم «إليعازر بن يهوذا» شعاراً مهماً هو «لا حياة لأمة بدون لغة».. و قد بدا هذا الهدف عند اليهود صعباً إن لم يكن مستحيلاً لكنه تمسك بفكرته و هاجر إلى فلسطين سنة 1881 و أنشأ أول بيت يهودى يفرض العبرية للتخاطب فى كل شئون الحياة .. و قد ظل يعمل لإنجاح هدفه أربعين عاماً كاملة أصدر خلالها صحيفة و قاموساً للعبرية من 16 جزءاً و نشر المدارس العبرية و تم صك و تدشين كلمات عبرية جديدة .. ثم امتدت التجربة بعد إنشاء دولة إسرائيل إلى كل مناحى الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الفنية و السياسية حتى إنه لا يستطيع إسرائيلى أن يتحدث فى أى مؤتمر عالمى إلا بالعبرية . لقد أحيت إسرائيل العبرية بعد موتها و جعلت لها مكاناً و مكانة رغم أنها من أضعف اللغات فى كل شىء .. و لكنها أدركت أن بقاءها مرتبط ببقاء لغتها القومية . و هذه فرنسا التى خافت على لغتها من زحف الإنجليزية عبر الفضائيات و خاصة بعد انفراد أمريكا بزعامة العالم ، فشرعت عام 1994 عقوبة للذى يستخدم لغة غير الفرنسية فى الوثائق و المستندات و الإعلانات المسموعة و المرئية و مكاتبات الشركات العاملة على الأرض الفرنسية .. و تصل العقوبة للسجن أو الغرامة ، ففرنسا ستزول إذا زالت لغتها .. هذا فضلاً عن «الفرانكوفونية» و جهودها فى نشر الفرنسية فى أفريقيا و العالم العربى . أما نحن فنسخر من لغتنا تارة و نهملها أخرى و نخجل منها ثالثة .. و نفخر بلغة الأعاجم و نعتبرها دليلاً على الرقى و التحضر .. و نسخر أحياناً من سيبويه و من النحو العربى .. ناسين أن اللغة العربية هى لغة الخلود لأنها لغة القرآن و صدق «إقبال» حينما قال : «من أراد أن يكتب وثيقة فى الأرض فيقرأها الناس بعد ألف جيل فليكتبها بالعربية لأنها لغة الخلود من القرآن الخالد». لقد مر اليوم العالمى للغة العربية منذ عدة أيام فلم يحتفل أو يحتفى به أحد فى مصر لا رسمياً و لا شعبياً و لا على أى مستوى .. و احتفلت به فقط اليونيسكو فى باريس ذاكرين كلمات «جوستاف لوبون» المفكر الفرنسى : «إن اللغة العربية من أكثر اللغات انسجاماً» و المستشرق الألمانى نولدكه : «يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللغة العربية».. أما الفضائيات المصرية فلم تذكر شيئاً عن اليوم العالمى للغة العربية و عذرهم معهم ، فحفلات اكتشاف الراقصات و المغنيات و برامج الردح و الشتائم و الردح المضاد لا تنتهى .. معذورون لأنهم لا يستضيفون إلا شريحة «من إذا خاصم فجر». إن أمة تهمل لغتها و علماءها و حكماءها و تهيل التراب عليهم و تحتفى بالجهلة و الراقصات هى أمة لا تستحق البقاء .. إنها أمة «ارقص» و ليست أمة «اقرأ».