عرض مشاركة واحدة
قديم 30-11-2014 , 02:21 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,320
أخر زيارة : اليوم 01:42 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Icon17 إلجام العوام عن علم الكلام



مشاري الذايدي

في كل تراث غني لأمة من الأمم الحضارية نجد مدونة حافلة في مدح العلم و التعلم و ذمّ الجهل و التجهل و الأخيرة تعني الجهل عن عمد و غبطة . العامة أو العوام أو الغوغاء أو الرعاع أو الدهماء أو الأغمار و غير ذلك من الأوصاف تطلق على النسبة الكبرى من المجتمع غير العالم ، و يتضاعف الذم حين تقتحم هذه الأغلبية ميدان النخبة و هو الفلسفة و العلم و السياسة و الدين و شأن الحرب و شأن السلام حينها يتحول الذم إلى صيحة نذير من خطر «وحش» العوام الذي لا عقل له و لا بصر و لا بصيرة كما وصف حالة الجماهير بإبداع المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه الشهير «سيكولوجية الجماهير» و هو يرسم ملامح كائن خرافي حقيقي يتكون من آلاف الذوات المفردة (الجمهور) تنصهر في ذات واحدة تتصرف بسلوك واحد و دماغ فقير واحد . مما قاله لوبون في كتابه هذا : «الجمهور عاطفي جدا ليس عقليا بالشكل الكافي كما يكون الفرد عادة». قبل لوبون (ت 1931) تحدث أعلام التراث المسلم عن خطر العامة و الحث على إبعادهم عن شؤون العلوم و مباحث الدين و الفلسفة و«علم الكلام» و السياسة العليا . حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 1111م) له كتاب شهير عنوانه معبر عن مضمونه و هو «إلجام العوام عن علم الكلام». و جاء في شرح «نهج البلاغة» لابن أبي الحديد نقلا عن الإمام في صفة الغوغاء : «هم الذين إذا اجتمعوا ضَرُّوا ، و إذا تفرقوا نفعوا . فقيل قد عرفنا مضرَّة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم ؟ فقال يرجع أَصحاب أهل المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم». و جاء في الموضع نفسه أيضا : «و كان يقال العامة كالبحر إذا هاج أهلك راكبه . و قال بعضهم لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق ، و ينقذون الغريق ، و يسدون البثوق» و البثوق هي الخروق ، و زاد بعضهم في منفعة العوام : «ويملأون الطريق». طبعا كلمة العوام و العامة قد تعني أشياء أخرى مضمرة ، فهي مثلا لدى الأدبيات الشيعية القديمة تعني المخالفين ، و هي لدى التيارات الإسماعيلية تعني كل من هو خارج إطار الفهم الباطني . لكن في الاتجاه العام و اللغوي أيضا هي تعني ما يعنيه غوستاف لوبون تقريبا فقد جاء مثلا في بعض قواميس اللغة العربية : «رَعاع/ رُعاع/ رِعاع : مفرد رعاعة و رِعاعة ، سِفْلة الناس و غوغاؤهم . أي من اختلط بالرِّعاع فتعلَّم منهم أسوأ الألفاظ». المشكلة الأساسية في السلوك العامي الجماعي هي في تحوله لطاقة عاصفة «عمياء» و مدمرة غير مفيدة في كثير من الأحيان حتى لمن راموا الإفادة منها من محترفي السياسة ، فهم أو هو (الجمهور) وحش أعمى و سريع التقلب .في حاضرنا فإن دخول العامة نقاش الأمور الحساسة أو المتخصصة كالنقاش الشيعي - السني ، و العلماني - الديني ، و الوطني - القومي ، و الاقتصاد الحر - الاشتراكي ، و مثل هذا يفسد النقاش و المناقشين و ربما بل فعل ذلك حقا يحول هذه الموضوعات وقود نار و شر . ليتنا نعيد سماع نصيحة أبي حامد قبل دهر و لو بشكل افتراضي في عالم افتراضي .

هل تتفق مع الكاتب في أن يترك النقاش في مثل هذة المواضيع للمتخصصين فقط ؟