الموضوع: الطبقة
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-01-2016 , 06:15 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,330
أخر زيارة : اليوم 04:11 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon375 الطبقة



سمير عطا الله

أعقبت موجة الاستقلال في العالم العربي موجة هائلة من التأميمات شملت عمليات التأميم كل مرفق من مرافق الحياة : الزراعة و الصناعة و الصحافة و التعليم ، و كل شيء آخر . و بسبب الحملات على الصناعيين و الزراعيين و التجار تحولت كل هذه الحقول المنتجة إلى أعمال شائنة و معيبة . و بدل أن تستمر الأدوات الاقتصادية و تتطور أصيبت بالشلل و التخلُّف و الصدأ . و بصورة تلقائية انصرف الجيل الجديد إلى عمل واحد هو الأكثر سهولة و قبولاً , أي السياسة . و صارت الأحزاب هي الطريق إلى الجاه و المكانة بدل الإنتاج و المنافسة . كما صار الكلام هو الصناعة شبه الوحيدة خصوصًا العنيف منها ، أو ذلك المحمل ألفاظًا معقدة و جملاً مركبة لا تقول شيئًا سوى تكرار العبارات الفارغة التي يرددها جميع من يعتلي منبرًا , أو يحمل قلمًا ، أو يعد انقلابًا . لم يبق أي مساحة للعمل أو النقاش أو التقدم وفق الكفاءة و الشروط . المحسوبية هي الشرط الوحيد و الولاء الأعمى هو الكفاءة الوحيدة . و هكذا تحولت المجتمعات إلى طبقة عدمية لا تكلّف نفسها البحث عن أي سعي أو جهدًا في سبيل أي شيء . هذا الخمول الفكري و الاجتماعي أدى إلى ذلك الانغلاق الكاسر في العقول و في القلوب معًا . و كان طبيعيًا أن ننتقل من انغلاق إلى آخر ، و من عنف لفظي إلى عنفٍ حقيقي , ذلك أن جميع المقاييس و المعايير لم يعد لها وجود أو احترام أو اعتبار . و صار التزلّم الخالي من أي مقدرة هو القاعدة العامة و الكافية المستكفية . و عم الشح شيئًا فشيئًا جميع أشكال الإبداع و الحوافز . فالكاتب أصبح كاتب النظام ، و الشاعر شاعر النظام ، و الاقتصادي شريك النظام لا حاجة به إلى أكثر من تأمين العمولة . و لا إبداع في الخوف بل مسيرة واحدة نحو المزيد من التقهقر و التبذل . و في مرحلة ما جاء جميع شعراء العرب إلى بيروت لكي يحافظوا على ألَقهم و يعبروا عن الامهم بصدق و وجدان . من بدر شاكر السياب إلى نزار قباني إلى أدونيس و محمد الماغوط و عبد الوهاب البياتي , إضافة طبعًا إلى محمود درويش الهارب من ظلم إسرائيل . و قد أفادت بيروت من لجوء التجار و الشعراء و المفكرين و حتى السياسيين الكبار الهاربين من بلدانهم إلى مقهى يذكرون فيه بصوت عال أيام العز و الاستقرار . أحيانًا يخيل للمرء أن كل ما نراه اليوم هو نتيجة ما شهدناه بالأمس : وأد الحريات و تعليق الفكر و تبذل الاقتصاد و إلغاء التجارة و حظر الفنون و تزليم التعليم . كم كان مؤسفا" أن يعقب الاستقلال عن الأجنبي هذا النوع القاسي من العبودية الوطنية .