عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-2018 , 10:09 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Icon37 التنوير رافعة التغيير المجتمعي



حسن المصطفى

التغيير في المجتمعات المحافظة عادة ما يكون عملية محفوفة بالمخاطر و المصاعب نتيجة لوجود ممانعة ثقافية جوانية صلبة ، و في ذات الوقت خوف أو توجس من القادم المجهول بالنسبة للكثيرين . فالناس غالباً ما تستأنس بما اعتادت عليه حتى لو علمت في قرارة نفسها أن هذا النمطي و السائد بات عتيقاً لا ترتجى منه منفعة!. طبيعة النفس البشرية مجبولة على حب الراحة و البقاء على شاكلة واحدة طالما أنها تحت السيطرة و تؤدي الحد الأدنى من وظائفها . المجتمع السعودي يمر اليوم بمرحلة تبدل حقيقية و هو في هذا التحول لن يكون بدعاً بين المجتمعات . و عليه ، فإن حاجته ماسة للتأسيس الفكري و النفسي ليواكب عملية التغيير و الإصلاح و ينخرط فيها . و بعبارة أكثر دقة ، أن تكون هنالك أفكار تنويرية ، مدنية ، و ذات تأثير حقيقي على المتلقي . التنوير ليس فعلاً ميسوراً ، سيواجه بالكثير من المصاعب . و أولى تلك المعضلات شخصيات المثقفين الحاملة له ، أو المبشرة به ، و طبيعة فلسفتها و نظرتها إلى الحياة ، و مدى علميتها ، و قدرتها على الاستقلالية و التفكير الحر ، و صياغة خطاب مقنع و جذاب و علمي في آن معا . «نسمى مفكرا حرا ، ذاك الذي يفكر بطريقة مخالفة لما كنا ننتظره منه بسبب أصله ، وسطه ، حالته ، وظيفته ، أو بسبب الآراء السائدة في عصره»، يقول نيتشه ، واصفاً الفرد الذي يجترح أفكاراً حرة . و هذه الصفات كما نلحظ هي على الضد من الطبيعة السكونية السائدة بين البشر العاديين . فالضوء الذي تحدثه الأفكار التنويرية سيعمل على بعثرة الظلمة و تحريك الساكن ، و إيقاظ الأرواح التي علتها أطنان من الغبار لسنوات طويلة خلت . هذا المفكر الحر ، يجب أن يعي أن وظيفته ليست مجرد البحث العلمي الرصين بين طيات الكتب – على ما لها من أهمية بالغة - و إنما عليه إذا أراد أن يكون مساهماً في عملية التغيير ، أن يمارس التنوير على الساحة ، و مع الناس ، و بجهد مشترك تنهض به مؤسسات المجتمع المدني ، و تحميه الدولة بقوة القانون الذي يوفر فضاء عاماً للتفكير الحر ، و التعبير عن الآراء المختلفة ، و النقاشات المعمقة ، و السجالات الثقافية و الدينية و الفنية ، دون خوف أو قلق من التكفير أو الإكراه أو التشكيك . مجمل هذا الحراك الذي تنهض به جهات و أفراد عدة سيقود حتماً لإحداث تغيير بين عقول الناس ، و يعمل على تطوير أنمطة حياتهم ، و طرائق تواصلهم ، و أساليب عملهم ، و نظرتهم إلى مستقبلهم . أي أن هنالك منظومة اجتماعية و قيمية قديمة ستحلُ مكانها أخرى جديدة تتناسب و العصر الحديث . «سيذوب نظامنا الاجتماعي ببطء مثلما ذابت كل النظم السابقة بمجرد ما بدأت شموس آراء جديدة ترسل أشعتها الجديدة على الناس». هكذا يقرر نيتشه مصير التبدلات العميقة التي سوف تحدث و هي أمر طبيعي أثبتته دورة الحضارات الإنسانية ، و التي لا يمكننا إذا أردنا أن نكون مجتمعاً مدنياً إلا أن نؤمن بها و نكون جزءاً منها .