عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2013 , 02:36 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Icon29 الدولة المدنية ليست تجاوزاً على الدين



بقلم الكاتب القطري عبد العزيز محمد الخاطر


ظهور الدولة المدنية في أوروبا كان تعالياً على التمذهب الديني وليس على الدين نفسه . أي انه خروج الى دائرة أوسع من الفهم الديني ، فالصراعات التاريخية الدينية بين البروتستانت والكاثوليك كانت تمثل صراعاً بين التمذهب داخل الدين الواحد . والانتصار الحقيقي الذي حققته اوروبا كان في الخروج من هذا النطاق الضيق ذي الحدود الدموية الى نطاق واسع وأشمل يتمثل في ابعاد الثقافة الدينية الشاملة مهما كان مسماها . خروج المواطنة كأساس للدولة الحديثة في اوروبا بعد ديني ، وبروز دولة الحقوق والمساواة بعد ديني كذلك ، وظهور دولة العدل والقانون بعد ديني أيضاً.

لا أعتقد ان اوروبا تركت الدين خلفها ببروز دولة المواطنة ولكنها انتشلت الدين من حدوده الضيقة الى ابعاده الانسانية . نحن في عالمنا الاسلامي بحاجة فعلية الى الوصول الى النتائج نفسها ولكن ليس بالضرورة من خلال الاساليب او الطريقة نفسها الموصلة لذلك والتي اتبعتها اوروبا . ومع ذلك يصعب القول إنه لا يبدو ان هناك خطراً واضحاً من الانجراف نحو الاقتتال المذهبي داخل الاسلام نفسه . لا بد من التأكد أن تخفيف حدة التمذهب نحو تعميق فهم الثقافة الشاملة للدين هو الاساس وهو المطلوب وليس العكس ، لا بد من الاصرار والاعتراف بأن الدين جاء أصلاً لخدمة الانسان ومصلحته وليس العكس.

الخوف من انجرار عالمنا الاسلامي نحو أتون الحرب المذهبية الطائفية لم يعد خوفاً مرضياً بعد ما نشهده من احداث في غير موقع من مواقعه . ان الثقافة الدينية الحقيقية لا يخرج منها انسان طالما اصر واعترف بإنسانيته وهو إن أذنب عاد وان ارتكب معصية استغفر ولا يقتل آخر لشعوره بإنسانيته قبل كل شيء ولكن التمذهب ضيق الافق والخروج منه اذا ما اعتمد كمنهج للحياة قادم لا محالة والتصادم مع الغير قائم كذلك لأنه يلغي الفروق الفردية والخصائص الشخصية والاختلاف المشروع.

عندما كان الاسلام قوياً كثقافة استوعب داخله التمذهب بأنواعه المختلفة . فالبعد الانساني مهم هنا أية اهمية ، بمعنى ان هناك ارتباطاً خطياً لشعور الانسان بمكانته وقيمته وبين نظرته لمذهبه ودينه وكلما قل الشعور بذلك ضاقت نظرته وتشرنقت داخل هذا المذهب أو ذلك.

فإذا كانت اوروبا استطاعت ان تبني دولة مدنية بتجاوز التمذهب نحو الثقافة الدينية الأوسع ولو بثمن غال ، فإن امتنا العربية والاسلامية كذلك في حاجة الى مثل هذا التجاوز ولكن العصر لم يعد يستوعب او يتحمل الثمن الذي دفعته اوروبا مقابل ذلك حيث كانت في ذلك الحين هي العالم . اما نحن فإننا اليوم جزء من العالم فقط ولسنا الجزء الأثمن الذي يصعب على العالم ان يعيش بدونه كبشر على الأقل ولا كجغرافيا ، ومن المؤسف له أن يكشف لنا الربيع العربي حقيقية طالما حاولنا تناسيها او تجاوزها وهي أنه بالإمكان تأجيل الاستحقاق التاريخي والانزواء عنه وعن تياره بعض الوقت ولكن لابد من دفع ثمنه عاجلا أم آجلا ، ما نشهده اليوم في عالمنا العربي بعد ثورات الربيع العربي هو استحقاق الدولة المدنية التي كان يجب أن ندفعه مبكرا ولو على شكل أقساط واصلاحات متدرجة ، لكن عقلية الاستبداد كانت هي الغالبة والمسيطرة ولست أعني هنا الأنظمة فقط بل الشعوب كذلك تمارس استبدادا أفقيا لايقل عن استبداد الانظمة السياسي ، استبدادا ضد المرأة وضد الآخر ، وضد التاريخ نفسه بتفضيل الماضي على الحاضر والاموات على الأحياء . الثمن يبدو غاليا ليس فقط بسبب تأخرنا بل بسبب عدم ادراكنا أن الدين مدني بطبعه ويسمى الى المدنية والدولة المدنية التي تخلص الفرد من جميع اشكال الاستبداد وأولها الاستبداد باسم الدين أو الطائفة.


تعليق : كلام من ذهب تسلم و يسلم هذا الفكر النير , روعة فكرك و سهولة صياغتة ليفهمة الجميع شي في منتهى الروعة و الجمال و الفائدة . بصراحة في علم الاجتماع و تناول مشاكلة أنت ملك متوج و فكرك مستنير و مقالاتك دستور يتبع لحياة افضل و رقي اخلاقي و ديني , الف شكر لك و لقلمك الذهبي المخلص الناصح . ارجوء من الجميع القراءة لهذا المفكر الفذ بالذهاب إلى مدونتة و التي سوف انقل منها مقالات من وقت لأخر لزيادة الفائدة لانة عملة نادرة و مفكر من طراز رفيع جدا" محتاجتة الأمة بشدة حتى تخرج من هذا الظلام الفكري الدامس .