عرض مشاركة واحدة
قديم 28-11-2015 , 01:29 AM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Icon29 عجز الموازنة مال عمك لا يهمك



أحمد بن عبدالله السليطي

يتحدث الكثير من العامة هذه الأيام عن العجز المتوقع في ميزانية الدولة للعام المالي القادم ٢٠١٦م ، و لكي نكون منصفين في تقييم الوضع العام علينا أن نرى الأمور بمنظور مختلف عن التقييم التلقائي ، خصوصاً أن هناك توقعا بالعجز في الميزانية و لكن يقابله توقع بالنمو في الاقتصاد الوطني . و لكي نعرف و نفهم ما إذا كان هذا العجز المالي سيؤثر في نمو الاقتصاد أم لا يجب علينا أولاً أن نعرف من هو اللاعب الرئيسي في الاقتصاد حتى نقدر العجز بقدره و لا نأخذه بحجم أكبر من مستواه الطبيعي ، و في نفس الوقت – إذا أردنا أن نكون منصفين - يجب ألا يكون لدينا نوع من المكابرة و عدم قراءة الواقع بصورة صحيحة و إلا سنجد أنفسنا في موقف لا نحسد عليه . من المعروف للجميع أن الدول التي تستنزف طاقاتها و مواردها في الصرف على البنية التحتية تعاني الكثير من المصاعب في سنوات مالية لاحقة نتيجة لسوء تقدير الموازنات و التخبط في إدارة تلك المشاريع ، و كذلك لعدم القدرة على الالتزام بالوفاء بمتطلبات المصاريف التشغيلية عندما ينتهي المشروع و تبقى مصاريف تشغيله . هناك نماذج عالمية اضطرت للصرف الزائد عن اللزوم من أجل مواجهة التزامات دولية كبيرة و هي تعاني الأمرين من الناحية المالية اليوم ، و منهم من قارب على وضع الإفلاس و ينتظر المساعدات من الآخرين ، و لنا في البرازيل و اليونان عبرة في ما قد يصيبنا نحن لتشابه الحالة في وجود حدث رياضي كبير مع اختلاف بعض المشاكل الاقتصادية بيننا و بينهم ، حيث إن اليونان استضافت أولمبياد ٢٠٠٤م و البرازيل استضافت كأس العالم ٢٠١٤م و تستضيف أولمبياد ٢٠١٦م ، الأولى أفلست و ديونها تصل إلى٤٠٠ مليار دولار ، و الثانية بدأ اقتصادها بالانكماش بعد أن انتقل الضرر من عجز الموازنة إلى الاقتصاد الكلي و بدأت في بيع منشآتها الرياضية الخاصة بكرة القدم ، و ينتظرها وضع اقتصادي أصعب بعد أولمبياد ٢٠١٦م و هي التي حالياً تصنف سابع أكبر اقتصاد في العالم .. كل ذلك حدث لهما بسبب تجاوزهما الميزانيات المرصودة للصرف على البنية التحتية الرياضية بمراحل كبيرة . تنظيم بطولة كأس العالم عندنا يتطلب الكثير من أوجه الصرف «المباشر» على الملاعب و «غير المباشر» على البنية التحتية و لا نستطيع أن نغفل ما قد يؤثره ذلك الحدث من تأثير إيجابي قوي على الاقتصاد الوطني ، كون هذا الحدث سيزيد من أوجه الصرف في السوق المحلي من قبل الدولة و بالتالي انتعاش الاقتصاد و نموه ، و لكن تبقى مشكلتنا المزمنة هي إدارة ذلك الصرف . بما أن الحكومة هي اللاعب الرئيسي و يكاد يكون الوحيد في الاقتصاد المحلي فإنه من الواجب الانتباه و بقوة للنواحي الإدارية في المشاريع الكبرى المرتبطة بصورة «مباشرة» و «غير مباشرة» بأوجه الصرف بصورة عامة ، أو بتنظيم كأس العالم ، لأنه إذا بدأ اللاعب الرئيسي و الوحيد في الاقتصاد بالعجز و الاستدانة فإن النتيجة الحتمية هي انكماش الاقتصاد و تضرر رفاهية المواطن . لا أظن أننا نحتاج أن نقلق على موارد الميزانية لأننا في وضع مالي قوي و لله الحمد و لكن نعاني من سوء إدارة المصروفات ، و هذا هو سبب العجز الحقيقي و الذي سيؤثر على النمو الاقتصادي مستقبلاً و ليس فقط انخفاض أسعار النفط كما نظن . و حتى لا يكون كلامي مجرد موضوع إنشائي سآخذ نموذج سوء الإدارة في أحد المشاريع العامة و هو مشروع مستشفى سدرة و الذي يعتبر أحد أكبر مشاريع الدولة ، و كيف أن تلك القرارات الإدارية المرتجلة تؤثر بصورة مباشرة في العجز في ميزانية الدولة لا بل و تؤثر أيضا على مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن . تم توقيع عقد تصميم و بناء مركز سدرة الطبي عام ٢٠٠٨م بين مؤسسة قطر و تحالف شركتين : إسبانية و قبرصية ، و تم إسناد إدارة المشروع إلى شركة استاد المملوكة مناصفة بين قطر للبترول و مؤسسة قطر . قيمة المشروع بالكامل تزيد على حوالي 10 مليار ريال قطري و كان من المفترض و حسب العقد تسليم المشروع في ديسمبر ٢٠١٢م ، و لكن ذلك لم يحدث كالعادة و هي ليست أول حالة تأخير نعيشها ، فأغلب مشاريع الدولة تأخرت «متأخرة أو ستتأخر». الطامة الكبرى التي حدثت في مشروع مركز سدرة الطبي أن إدارة شركة «استاد» (شركة حكومية) قامت في يوليو ٢٠١٤م بإلغاء عقد المقاول و سحب الضمان البنكي ضد الشركة الاسبانية و الذي يساوي أكثر من ثلاثة مليارات ريال قطري . لنرى كيف سيؤثر بطريقة غير مباشرة قرار شركة «استاد» الارتجالي في عجز الميزانية القادم و ما هو حجم المشاكل التي أفرزها ذلك القرار الذي أُتخذ دون دراسة عواقب الأمور . أولاً : الدولة تعاني من نقص في تلبية الخدمات الطبية و عدد سكان الدولة أكبر بكثير من عدد المستشفيات و الأسرة الموجودة ، هم يؤخرون ما هو متأخر أصلاً و علينا نحن الانتظار . ثانياً : يوجد خلف المقاول الرئيسي حوالي ٢٣٠٠ مقاول من الباطن ليس لديهم الحق القانوني في التعامل مع المقاول الجديد إلا بموافقة الشركة الاسبانية و التي طبعاً لم توافق على ذلك و إلا سوف تسحب ما لديها من ضمانات بنكية على مقاولي الباطن . ثالثاً : الشركة الاسبانية ترفض تسليم المخططات و الرسومات إلا بعد الانتهاء من التنازع و التحكيم المنصوص عليه في العقد و الذي يجب أن يكون في مدينة لندن و الذي لن ينتهي قبل سنتين على أقل تقدير . رابعاً : المقاول الجديد يدعي أن ما بقي للإنجاز هو ٣٠٪ من العمل في حين أن الشركة الاسبانية و هي شركة مدرجة في بورصة لندن ، تدعي بإعلان رسمي على موقعها الإلكتروني للمساهمين في لندن أن ما بقي للإنجاز هو ٥٪ فقط و هذا يعني أن هناك ما قيمته ٢٥٪ من قيمة المشروع سيتم دفعها مرة أخرى ، يعني ٢٥٪ من 10 مليار ريال قطري و هو 5 ,2 مليار ريال ستكون إضافية على تكلفة المشروع . خامساً : تدعي الشركة الاسبانية أن سبب التأخير هو كثرة التغيرات التي طرأت على المشروع و بعلم شركة استاد و في النهاية لم يستمع لها أحد و تم اتخاذ قرار إنهاء التعاقد معها . سادساً : التعويضات التي تطلبها الشركة الاسبانية تتجاوز سبعة مليارات ريال حيث ما أعلمه أن مقاولا واحدا من مقاولي الباطن يطلب تعويض ٤٠٠ مليون ريال . سابعاً : موظفو و أطباء مستشفى سدرة الذين تم التعاقد معهم تحولوا إلى بطالة مقنعة لأن ليس لديهم مكان يعملون فيه ، و مستشفيات الدولة الأخرى لا تستوعبهم و صرف رواتبهم و سكنهم مستمر . ثامناً : الأجهزة الطبية التي تم توريدها قبل ثلاث سنوات تقادمت و تهالكت محاسبياً و منها ما يتم البحث عن التخلص منه الآن لصالح جهات محلية و شراء أجهزة أحدث بتكاليف جديدة . هذه بعض من المشاكل التي نجمت عن قرار شركة استاد «الحكومية» بإلغاء عقد مقاول مركز سدرة الطبي و تحميل ميزانية الدولة أكثر من 9,5 مليار ريال إضافية ، زيادة على قيمة المشروع الأصلية 10 مليار ريال . إذن من الواضح أن المشكلة لن تتوقف عند وجود عجز مالي فقط بسبب سوء إدارة مشاريع الدولة بل ستمتد المشكلة الى التأثير السلبي المباشر على الخدمات ، و هذا هو الخطر من عدم معرفة ما هو السبب الحقيقي لأي عجز ينتج في الموازنة و تستمر المكابرة أن انخفاض أسعار النفط هو السبب ، و بالتالي ينتقل الضرر من مجرد عجز مالي إلى ترد في الخدمات و منها إلى انكماش في الاقتصاد بدلاً من النمو . أعرف أن «الخبراء» سيقولون إن حالة اليونان و البرازيل و وضعهم الاقتصادي يختلف عن دولة قطر و بالتالي المقارنة غير صحيحة و ذلك طبعاً للدفاع عن الوضع القائم ، و أن الأمور تحت السيطرة و لكني أذكر أن اليونان و البرازيل لم يحتاجا إلى إنشاء مطارات و موانئ بحرية و طرق و مستشفيات و شبكة مترو و فنادق و مدارس و مناطق خدمات لوجيستية لاستضافة كأس العالم و الأولمبياد ، بل كل احتياجاتهم كانت البنية التحتية الرياضية و مع ذلك تعرضوا إلى العجز المالي في ميزانياتهم وصل بهم إلى حد الافلاس و انكماش الاقتصاد ، لأنهم تعدوا بكثير الميزانيات المرصودة للصرف على أحداثهم الرياضية . كذلك اقتصاد اليونان و البرازيل ليس اقتصادا رعويا و لا يعتمد على لاعب رئيسي واحد في تكوينه بل هو اقتصاد حر و مدعوم من عدة قطاعات ، فالبرازيل على سبيل المثال كان التضخم فيها بداية التسعينيات أكثر من ٢٠٠٠٪‏ و مع ادخال الكثير من الإصلاحات الاقتصادية و ضبط معايير الاداء حقق اقتصادها أكبر و أسرع معدلات نمو في العالم من عام ٢٠٠٠م و حتى ٢٠١٢م ليصلوا إلى سادس أكبر اقتصاد في العالم متخطين بريطانيا . و في عام ٢٠١٣م بدأت أزمتهم الاقتصادية لأسباب كثيرة منها تجاوز الصرف على مشاريع كأس العالم و الأولمبياد . أما نحن فعلينا إنشاء كل ذلك و هذا أمر يصب في صالح الاقتصاد الوطني كما ذكرت أعلاه عن ايجابيات وجود كأس العالم عندنا ، و لكن للأسف جميع القطاعات عندنا من مطار و ميناء و شبكة طرق و مستشفيات و مدارس و شبكة المترو و المناطق اللوجيستية و حتى أسواق الفرجان تعدت الميزانيات المرصودة لها بمستويات كبيرة جداً ، و إذا استمرت إدارة المشاريع بأسلوب «مال عمك لا يهمك» كما وضحت عن ذلك بإسهاب في مقالي السابق عن «أشغال» و اليوم أخذت مشروع سدرة نموذجاً ، فإن تلك النعمة ستتحول إلى نقمة و لا أعتقد أن حل الاقتراض الداخلي و الخارجي لمواجهة العجز سيكون كافياً ، أو حتى دراسة فرض زيادة على رسوم الخدمات وفقاً لمذكرة الأمين العام لمجلس الوزراء التي صدرت الإسبوع الماضي ستكون هي المنقذ للوضع الذي تتجه إليه الميزانية . و حتى لا ننتقل إلى الحلول الأخرى و التي بلا شك هي أكثر إزعاجا و خطورة على الميزانية و نصبح مثل اليونان و البرازيل يجب علينا أن نراجع هيكلية إداء الحكومة ، كما ذكرت في مقال «أشغال» و ذلك بخلق «وحدة الإنجاز» التي يجب ألا تضم أيا من الوزراء أو المسؤولين الحاليين و التي سيكون مناطا بها مراقبة أداء مشاريع القوانين و مشاريع البنية التحتية و إعطاء الرأي الآخر ، بدلاً من اكتشاف ذلك في عجز الموازنة و اقتراح حلول سيئة جداً و خطيرة على اقتصاد البلد و رفاهية المواطن .