علي سالم
بغير الفلسفة تتحول حياة البشر إلى عبء و عقوبة ، و الفلسفة عمادها الأسئلة ، أن تسأل نفسك و أن تسأل روحك ، و كل سؤال يصل إلى واحة من الإجابات و كل إجابة قد تكشف عن سر من أسرار الحياة ، سر عندما تكشفه أو تكتشفه تتحول حياتك إلى قارب نجاة أو إلى شاطئ آمن لا يتهددك فيه شيء أو عدو . عيش .. حرية .. كرامة إنسانية ، يا لها من مطالب نبيلة ، غير أني بكل صراحة و وضوح أريد أن أستفسر منك عن بعض أشياء بشأنها .. بالعيش أنت تقصد الخبز أي غذاء البشر اليومي ، و هو مصنوع من القمح + مجهود البشر . حسنا ، من أين ستأتي بهذا القمح ؟ هل ستزرعه أم ستحصل عليه من الآخرين على سبيل المعونة ؟ سأفترض جدلا أن سيادتك تفضل أن تحصل عليه كمعونة لأنك عاجز عن زراعته ، ألا يتعارض ذلك مع كرامتك الإنسانية التي ثرت طلبا لها ، هكذا ترى يا عزيزي الثائر أنه لكي تأكل رغيفا من صنعك ، عليك أن تهتم بمشكلات الزراعة و مشكلات الفلاحين ، أضف إلى ذلك أن القمح لن ينقل نفسه بنفسه من الحقول إلى صوامع القمح و منها إلى الأفران ، لا بد من حركة نقل منضبطة عليك أن تضمن لها طرقا آمنة . الباقي أمره سهل ، فرانون و عجانون و هم موجودون بوفرة في سوق العمل في مصر ، و السؤال هو هل بالفعل لا توجد مشكلة في ذلك ؟ لنفرض أن الفران و صاحب الفرن من الجهلة المهملين الكسالى غير المهتمين بنقاء الرغيف ، أليس معنى ذلك أنهم سينتجون خبزا تعف أنت عن أكله ؟ القمح وحده إذن لن يحل مشكلة العيش ، لا بد من فرانين أصحاب ضمائر و لديهم حس خاص يقدس الجمال و النظافة ، كما لا بد أيضا من مراقبين حكوميين يراقبونهم في عدالة و بغير ارتشاء . هل تراني أغالي أو أبالغ أم أني فقط أفتح عينيك على الأبعاد الحقيقية لمشكلتك . نأتي للعنصر الثاني من عناصر ثورتك و هو الحرية التي دخلت من أجلها السجن في عهد مبارك و في عهد مرسي و في العهد الحالي ، إذا كان العمل طلبا للحرية سيدخلك السجن في كل العهود ، فأين الخطأ ؟ هل لأنك تطلب شيئا لا وجود فعليا له على الأرض أم أنك تطلب شيئا لا تعرف عنه شيئا ؟ هناك اعتقاد شائع بأن الحرية هي التحرر من القيود و القوانين ، و أنا أعتقد بأنها العكس تماما ، بمعنى أن الحرية هي القدرة على الإنجاز في ظل القيود التي ارتضاها المجتمع و قيد بها نفسه . هناك أغنية شهيرة للأستاذ محمد عبد الوهاب «أحب عيشة الحرية .. زي الطيور فوق الأغصان» و لكنك لست طائرا و لا في خفة الطائر ، و بالتأكيد لا يمتعك أن تنتقل من غصن إلى غصن ، أنت عاجز عن الطيران بذاتك غير أنك قادر عليه بعلمك و معرفتك ، بهضمك لقوانين الطبيعة و القوانين الرياضية و بعلومك الهندسية ، كل ذلك يشكل قواعد و قيودا ، غير أنك تمكنت من اختراع الطائرة لأنك التزمت و احترمت كل هذه القيود . لقد اكتشفت سيادتك أنه ليس من الضروري أن تكون طائرا لتطير ، تستطيع أن تصنع طائرة تطير بك في السماء من مكان إلى مكان ، و ليس ضروريا أن تكون سمكة أو حوتا لتتمكن من الغوص في أعماق المحيط تستطيع فعل ذلك باختراعك للغواصة . أيها السادة الثوار .. الحرية هي القدرة على الإنجاز و تحقيق أهداف المجتمعات من خلال القوانين الطبيعية و الموضوعية .