عبدالله بن بخيت
إذا حدث انفجار في باريس ضجت وسائل الإعلام العالمية و نكست الرايات في معظم العواصم ، و امتلأت الأرض التي سقط فيها الضحايا بالورود و العبارات التأبينية . إذا حدث انفجار أبشع و أشد في بغداد أو كابل بالكاد تشير إليه وسائل الإعلام و في اليوم التالي لا يتذكره أحد ، أما الضحايا فيراكمون في رقم واحد . هل الضحايا الفرنسيون أو الأميركان انقى و أشرف و أهم من الضحايا العراقيين و الأفغانيين ؟ بعيداً عن المسألة العاطفية , المقارنة بين ضحايا باريس و ضحايا كابل تأخذنا إلى المقارنة بين باريس نفسها و بين كابل أو بغداد . البشر متساوون في كل شيء و لكن المقارنة في الواقع بين ما صنع البشر . كم تسوى باريس و كم تسوى كابل ؟ أين يحسن العيش في باريس أم في كابل ؟ أيهما آمن و أيهما مضطرب ؟ ما الذي قدمته باريس للعالم و ماذا قدمت كابل ؟ أعادني إلى هذه القضية التهديدات التي تطلقها بعض القوى الغربية لمواجهة أي استعمال محتمل للسلاح الكيماوي في حرب النظام التي يعد لها ضد الجماعات المسلحة . هذه التهديدات لا تشير إلى الهجوم نفسه و احتمال مقتل مئات من المدنيين بالأسلحة التقليدية مثلها مثل التفجيرات الانتحارية الغادرة التي تنفذها القوى الإرهابية يكون الموت بها جائزاً أو مبرراً . هذه التهديدات هي في الواقع موافقة ضمنية تسمح للنظام بالهجوم , القيمة التي تراها تلك القوى تكمن في نوع السلاح المستخدم و ليس في الأرواح التي سوف تزهق . سكان إدلب و السوريون ككل لا يختلفون عن سكان كابل و بغداد . نلوم وسائل الإعلام و لا نلوم أنفسنا. من منا اليوم يقرأ تفاصيل خبر تفجير في العراق أو في كابل ؟ لا يختلف الموت عن الأحداث الأخرى , يصبح ظاهرة يمكن الاعتياد عليها بعد أن يفقد الإنسان قيمته . ما أهمية أن يموت القرويون في الصومال , إسهامهم ضئيل في هذا العالم . فكل إنسان حسب ما يحسنه و يقدمه , إذا مات تاجر كبير تناقلت الصحف أخبار موته ، و إذا مات إنسان فقير بالكاد يجد من أهله من يسير في جنازته . فكما أن الإعلام لا يولي الشعوب الضعيفة أهمية نحن نمارس نفس الشيء . ما نتهم به القوى الغربية و الإعلام العالمي يمكن أن نتهم به أنفسنا أيضاً . باريس مدينة منتجة , تأثيرها في حياتنا و حياة العالم كبير . فالقضية التي تحرك المشاعر ليست مقيدة بالإنسانية فقط , لها بعد يتصل بما يؤثّر فينا مادياً أشبه بالأنانية و مراعاة المصالح . الإعلام لا ينفصل عن رغباتنا , يقدم لنا ما يهمنا و ما يمكن أن يجتذبنا لمتابعته . قيمتك كشعب أو كفرد هي التي تقرر حجم قيمتك و ضجيج موتك .
تعليق : من احد المتع في الحياة أنك تتعرف على ناس مثل عبدالله بن بخيت عن طريق مقالاته و ما ينشره من حكمة و توضيح لأفكار في منتهى الاهمية بطريقة بسيطة يفهمها الشخص العادي و تنير دربه و تجعله أنسان أكثر رقي و انسانية و فهم . على شان كل هذا لن امل أو اكل من قولة شكرا" استأذ عبدالله , الله يحفظك دنيا و اخرة و يرحم والديك على كل ما تجود به من فكر منير و حكمة راقية لصالح كل البشر . أنت نموذج رائع لانسان رائع فكره درر و لألئ سعيد الحظ من اطلع عليه .