العراق بعد ستين عاما
http://alqatareya.net/uploads/1532030730011.jpg
خير الله خير الله يعتبر ما يشهده الجنوب العراقي في هذه الأيام التي تمر فيها ذكرى الانقلاب العسكري للعام 1958 ، تتويجا لتدهور مستمر قضى على العراق الذي لم ير يوما أبيض منذ ستين عاما . يدفع العراق حاليا ثمن ما ارتكب قبل ستين عاما يوم الرابع عشر من تموز – يوليو 1958 . لا يمكن فصل أحداث الجنوب العراقي القابلة للتمدد إلى بغداد عن تاريخ عمره ستة عقود . بدأ هذا التاريخ ، تاريخ العراق الحديث بمجزرة قصر الرحاب حيث قضي على أفراد الأسرة المالكة الهاشمية التي كانت تحكم البلد ، و انتهى بسيطرة مجموعة من العسكر على السلطة . مهد ذلك لوصول حزب البعث بكل تخلّفه ، ثم للاحتلال الأميركي الذي أنتج نظاما فاشلا و فاسدا و متخلفا في كل مجال من المجالات صار عمره خمسة عشر عاما . يعتبر ما يشهده الجنوب العراقي في هذه الأيام التي تمر فيها ذكرى الانقلاب العسكري للعام 1958 ، تتويجا لتدهور مستمر قضى على العراق الذي لم ير يوما أبيض منذ ستين عاما . كانت العقود الستة التي مرت منذ مجزرة قصر الرحاب بمثابة كابوس كشف ما يمكن أن تؤدي إليه الانقلابات العسكرية ، و إلى أين يمكن أن تصل ببلد كان قادرا على أن يكون بين الأفضل ، بل الأفضل من كل النواحي في المنطقة . كان العراق بفضل ما يملكه من ثروات في مقدمتها ثروة الإنسان ، مؤهلا لأن يكون لو سمح له بالتطور بطريقة طبيعية بعيدا عن الشعارات الطنانة ، من نوع تحرير فلسطين ، أحد النمور الاقتصادية في المنطقة . و لكن ما العمل عندما صار عليه أن يدفع ثمن المد القومي العربي الذي أسس له جمال عبدالناصر بانتصاراته الوهمية . تلت انقلاب 1958 مرحلة تسلط العسكر ثم جاءت الحروب التي تسبب بها صدام حسين ، وصولا إلى الاحتلال الأميركي الذي جعل العراق عمليا تحت الهيمنة الإيرانية المباشرة و غير المباشرة ، و ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاما . ما الذي يمكن أن تؤدي إليه سنوات طويلة من المآسي المتتالية غير ذلك المشهد الذي نراه اليوم في البصرة و النجف و الناصرية و مدن و بلدات أخرى في الجنوب ؟ ما الذي يمكن أن تؤدي إليه سنوات طويلة من حكم الجهلة من عسكر و بعثيين ، توجت بنظام فاسد تتحكم به الغرائز المذهبية و الميليشيات التي تسيرها إيران ؟ ليس غياب الكهرباء عن البصرة سوى جانب من جوانب المآسي العراقية التي يمكن تعدادها بالجملة و التي يختزلها سؤال في غاية البساطة : أين ذهبت الأموال التي جناها العراق من نفطه منذ العام 2003 ؟ كيف يمكن أن تصرف كلّ هذه الأموال من دون أن تكون في البصرة كهرباء ؟ ما نراه اليوم يحدث على الأرض العراقية ليس مجرد انتفاضة شعبية لشباب يبحث عن كهرباء و فرص عمل في بلد مفلس لا تزال أحواله تسير نحو الأسوأ في كل يوم . إنه بلد توزع الناخبون فيه على أحزاب مذهبية لا تمتلك أي برامج سياسية أو اقتصادية . بلد صارت فيه الجامعات مكانا لممارسة الشعائر الدينية ، بدل أن تكون مراكز علمية تخرج أطباء و مهندسين و علماء و تستفيد من الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم . لعل أخطر ما شهده العراق في السنوات الأخيرة يتمثل في تمزيق ما بقي من النسيج الاجتماعي للبلد . في أساس ذلك تحكم الأحزاب المذهبية بكل نواحي الحياة و فرضها قيما لا علاقة لها بكل ما هو حضاري في هذا العالم . لم يعد مكان في العراق لرب عائلة يريد تربية أولاده بطريقة سليمة . لم يعد هناك من مستقبل لغير الفاسدين الذين يعملون لدى أحزاب دينية أو لمنافقين قبلوا أن يكون بلدهم مجرد تابع لإيران . أين كان العراق قبل ستين عاما ؟ و أين صار الآن ؟ الأكيد أن النظام الملكي لم يكن نظاما مثاليا لكنه كان نظاما قابلا للتطوير . كانت العائلة الهاشمية تمتلك قيما مختلفة أبعد ما تكون عن ممارسة العنف . كانت هناك في العراق قيم تستند إلى التسامح و الانفتاح على العالم ، على الغرب تحديدا . لم تكن هناك قيم تقوم فقط على إلغاء الآخر لمجرد الشك في ولائه . فوق ذلك كلّه ، كانت هناك استعانة بأفضل العراقيين لتولي المناصب العامة بغض النظر عن الدين و الطائفة و القومية . هل يعقل أن يكون الآن في العراق رجل دين لا يمتلك أي ثقافة سياسية من أي نوع يسعى إلى قيادة البلد و تنظيم الحياة السياسية فيه ؟ لعل أخطر ما يمر فيه العراق حاليا أمران : يتمثل أولهما في فشل الأكراد في ضوء النتائج الكارثية لقرار السير في الاستفتاء على الاستقلال في أيلول – سبتمبر الماضي ، في إقامة منطقة تشكل نموذجا ناجحا لما يمكن أن يكون عليه العراق مستقبلا . أما الأمر الثاني فيتمثل في إمكان استخدام إيران للعراق في عملية تستهدف التأثير على إمدادات النفط في العالم . من هذا المنطلق ليس مستغربا أن يكون كلام المسؤولين العراقيين عن وجود “عناصر مندسة” تعمل على تصعيد الموقف يستهدف الإشارة إلى عناصر تابعة لإيران . ما لا يمكن تجاهله أن إيران تمر حاليا في مرحلة صعبة في ظل مخاوف من مزيد من العقوبات الأميركية يكون التركيز فيها على تصدير نفطها . لا يمكن استبعاد فرضية أن إيران التي هددت بإغلاق مضيق هرمز في حال منعها من تصدير نفطها ، تريد توجيه رسالة عشية قمة دونالد ترامب – فلاديمير بوتين . فحوى الرسالة أنه إذا لم تكن إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز ، فهي قادرة على استخدام العراقيين في تعطيل عملية تصدير النفط العراقي . سيكون لذلك تأثير كبير على السوق العالمية و على سعر برميل النفط . أيا تكن أبعاد التحرك الشعبي في الجنوب العراقي و بغض النظر عما إذا كان عفويا بالفعل ، و هو عفوي في جانب منه ، و بغض النظر أيضا عما إذا كان سيصل إلى بغداد ، هناك مشهد حزين لا مفر من التوقف عنده . في خلال ستين سنة جرت عملية تدمير ممنهجة للعراق . بدأها الغوغاء الذين قتلوا أفراد العائلة المالكة بمن في ذلك فيصل الثاني . تحدث هؤلاء بعد ذلك عن “ثورة”, كيف يمكن لضباط حاقدين من أشباه الأميين و ضيقي الأفق ، ضباط لا يؤمنون سوى بالقتل ، القيام بثورة ؟ لم تنته عملية التدمير هذه بعد ، على الرغم من أن إيران التي كانت الشريك الآخر في الحرب الأميركية على العراق ، انتقمت من كل طيار و ضابط كبير شارك في حرب 1980 – 1988 ، بل عملت على تدمير كل مرفق عراقي ذي أهمية حيوية ، و أشرفت مباشرة على عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في كل المدن و المناطق العراقية . لا يبدو أن هناك أي أمل في الأفق بالنسبة إلى العراق ، على الرغم من وجود شعور عام برغبة في التخلص من الهيمنة الإيرانية حتى لدى الشيعة . أسوأ ما في الأمر أن إيران قد تكون في وضع يمكنها من استغلال نفط العراق لمآرب خاصة بها . تبدو إيران و كأنها لم تشبع بعد من الدم العراقي و من كل ما جنته إلى الآن من الاحتلال الأميركي لهذا البلد الذي صنع في الماضي القريب ، أي قبل ستين عاما ، أملا بأن يقوم في المنطقة كيان سياسي من نوع آخر قابل للتحول إلى دولة حديثة . |
الساعة الآن 01:53 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.