لماذا يريد "الإخوان" تخريب الأزهر ؟
http://alqatareya.net/uploads/1387104381791.jpg
رضوان السيد دخل «الإخوان المسلمون» في مصر في الموجة الرابعة من «زحوفهم» لتخريب الأزهر . كانت الموجة الأولى عشية سقوط حسني مبارك ، باعتبار أن شيخ الأزهر ما كان موقفه واضحا من ثورة 25 يناير (كانون الثاني) ، وقد تأخر كثيرا في تأييدها . وهذا كأن «الإخوان» أنفسهم كانوا هم صناع الثورة أو أول المتحمسين لها ! وعلى أي حال فقد كنا نرى طلابا متأخونين من حول مشيخة الأزهر ينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يترك الشيخ الدار . وجاءت الموجة الثانية خلال الصراع على الدستور . وقد كانوا وقتها يعانون من التنافس مع السلفيين الذين كانوا يعتبرون مشيخة الأزهر «قليلة» الحماس لبرنامجهم في أسلمة الدولة والمجتمع . وهكذا فقد اندفعوا هم أيضا لشخصنة الصراع لأن الشيخ يوسف القرضاوي (الذي عاد حماسه لحكم الإخوان للاشتداد) رأى أن الأزهر سيظل ضد «الإخوان» سواء أكانوا في السلطة أم في المعارضة ! إنما بسبب المزايدة بينهم وبين السلفيين على من هو الأكثر حرصا على الإسلام وتطبيق الشريعة ، جرى تثبيت استقلالية الأزهر ! وجاءت الموجة الثالثة (وكانت أكثر حدة من الأوليين) بعد وصول مرسي للرئاسة ، والاشتباك بين «إخوان مصر» ودول الخليج لسببين : إنشاء تنظيمات إخوانية في دول الخليج ، ومحاولات «الإخوان» المستميتة لتغيير سياسات مصر الاستراتيجية فيما يتعلق بإيران وتركيا والقضية الفلسطينية . وما وافق مصريون كثيرون بينهم شيخ الأزهر على هذه التوجهات للضياع والتضييع . ولذلك وعندما كان الشيخ في جولة خليجية ، ثارت ثائرة طلاب «الإخوان» بالأزهر ، وكذلك سياسيوهم . والحجة في الثورة أن ألفا وثلاثمائة طالب (من الإخوان فقط!) أصيبوا بتسمم دون غيرهم ، نتيجة الأكل في مطاعم جامعة الأزهر! وقد رأينا في التلفزيون مرسي يزورهم في المستشفيات ، كما رأينا آخرين منهم يتظاهرون حول مشيخة الأزهر كالعادة مطالبين بعزل مدير التغذية ثم رئيس الجامعة ، ثم شيخ الأزهر نفسه ، وكل ذلك خلال 24 ساعة ! وقطع الشيخ زيارته وعاد وأحال مدير التغذية إلى التحقيق ، وساءل رئيس الجامعة . وتبين خلال ساعات أن الواقعة مصنوعة ، فكررها «الإخوان» بادعاء التسمم للمرة الثانية ، والدعوة عند المشيخة لاستقالة شيخ الأزهر ، أو إقالته من جانب الرئيس (وليس من حق الرئيس ذلك بحسب الدستور الجديد) ! وفي الموجة الثالثة هذه تصاعدت أصوات متضامنة مع الأزهر بما في ذلك داخل الأوساط السلفية . وحدثت قطيعة بين الشيخ والأوساط الإخوانية على أثر هذه المكيدة ، ولأن هيئة كبار العلماء في مشيخة الأزهر صوتت بأكثريتها الساحقة لغير مرشح «الإخوان» لإفتاء مصر ! و جاءت الموجة الرابعة الحالية بعد عزل الجيش لمرسي على أثر التظاهرات الشعبية الهائلة يوم 30 يونيو (حزيران) 2013 . وقد حضر مناسبة التنحية وخارطة الطريق شيخ الأزهر وبابا الأقباط ومفتي الدعوة السلفية بالإضافة للأطراف السياسية . وما أظهر الشيخ حماسا لاعتصامات «الإخوان» وتظاهراتهم الصاخبة وبخاصة بعد أن بدأ سقوط القتلى ، والدعاوى المتناقضة من الطرفين . وما نسي «الإخوان» للشيخ هذا الموقف ، فبدأت الموجة الرابعة التي تهدف فيما يبدو إلى تخريب جامعة الأزهر وتحطيم «مرجعية الأزهر» إن أمكن . لقد استخدم «الإخوان» في الأسابيع الأخيرة تنظيماتهم الطلابية بالجامعات . وقد استخدم بعض هؤلاء العنف في تعطيل الدروس أو تدمير المرافق مثلما حدث في جامعتي الإسكندرية والمنصورة . بيد أن طلاب «الإخوان» بالأزهر والذين يتظاهرون منذ ثلاثة أسابيع ، يستخدمون العنف كل يوم ، ويقصدون إلى التعطيل والتدمير وليس للاستعراض وإظهار القوة وحسب . وهناك من يقول إن هذا النزوع العنيف سببه المباشر منع حصول امتحانات منتصف العام ، لأنهم لن ينجحوا فيها ، إذ لم يحضروا درسا ولا اهتموا بمستقبل تعليمي بعد تنحية مرسي . بيد أن أكثر المراقبين يرون أن حقد «الإخوان» على الأزهر يتجاوز ذلك بدليل الشعارات المرفوعة عن «إسلامنا» و«إسلامهم» ، وعن خيانة الدين ، وعن ارتباط الشرعية بالشريعة و«الإخوان» ، وليس بفقهاء السلطان ! ما نظر «الإخوان» منذ نشأتهم في أواخر العشرينات من القرن الماضي للأزهر بعين الرضا . فقد كان دافع حسن البنا لإنشاء جماعة الإخوان المسلمين ، أن «الشرعية» قد انحسرت عن الدولة والمجتمع ، وأن «الشرعية» هذه تركزت في تنظيمه ، الذي يكون عليه أن يعمل على نشرها في المجتمع من جديد ، وأن يعمل من جهة ثانية على الوصول إلى السلطة لفرض تطبيق الشريعة استعادة للمشروعية في دولة إسلامية خالدة . أما الأزهر ، فما كان يرى أن هناك مشكلة في شرعية المجتمع أو الدولة وقد انخرط علماؤه في ثورة عام 1919 ، واعتبروا أن الحركة الوطنية المصرية هي الخلف الشرعي لدولة الخلافة. وعندما تحمس بعض شيوخ الأزهر لاستخلاف الملك فؤاد ، وجدوا أن حسن البنا وإحيائييه الجدد ينافسونهم فانكفأوا . وصحيح أنهم ما كانوا مسرورين أن واحدا منهم هو الشيخ علي عبد الرازق اعتبر الخلافة نظاما قروسطيا منقضيا . بيد أن مما له دلالته أن الثلاثة الأوائل الذين ردوا على عبد الرازق ومن قبل على إلغائية مصطفى كمال ما كانوا من المصريين ولا من الأزهريين . فقد رد على إلغاء الخلافة الشامي (اللبناني) محمد رشيد رضا ، والتونسيان محمد الخضر حسين ، ومحمد الطاهر بن عاشور . ومعروف أن بلدان هؤلاء كانت تقع تحت الانتداب الفرنسي ، وما كانت معالم «الحركة الوطنية» عندهم ظاهرة لتجديد الشرعية من طريق النضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية ، كما كان عليه الحال في مصر . و لنعد إلى البنا والأزهر . فقد فهم الأزهريون أن إصلاحيي محمد عبده المتوجهين إلى السلفية ، وإحيائيي حسن البنا المتربصين في «التنظيم» الجديد ، إنما يريدون منافستهم على «المرجعية» . بيد أن السلفيين أراحوا الأزهر بالاستقرار في جمعياتهم ، والتطلع إلى دولة الملك عبد العزيز الطالعة بالجزيرة . أما «الإخوان» فقد كان مشروعهم أخطر مما ظنه الأزهريون . إذ ما كانوا يريدون اصطناع مرجعية دينية في مواجهة الأزهر أو الاستيلاء على الأزهر وحسب . بل كان همهم تحويل التنظيم إلى مرجعية عليا للإسلام ، لكي يتمكنوا من خلال ذلك من الاستيلاء على الدولة المصرية باسم الدين ، لإعادتها «دولة إسلامية ». كانت هناك مهادنة بين الأزهر و«الإخوان» ناجمة عن اختلاف الهموم والأساليب ، لكنها ما استمرت طويلا . فقد كان على الأزهر أن يتخذ موقفا من اتجاه «الإخوان» لاستعمال العنف ضد الدولة الوطنية المصرية أيام الملك ثم في بداية عهد الجمهورية . وفيما وراء العنف كان على الأزهر أن يحسم أمره فيما يتعلق بشرعية المجتمع والدولة ، وهل يتوافق أو يتحالف مع «الإخوان» على إقامة دولة دينية أو إسلامية ، يكون «تطبيق الشريعة» فيها شرطا لاستعادة المشروعية ؟! وما وافق الأزهريون الكبار على استخدام العنف المفرط ضد «الإخوان» ، لكنهم حسموا أمرهم لصالح الدولة المدنية منذ الستينات من القرن الماضي ، واستعادوا التراث الذي تركه محمد عبده ، وإلى الشيخ أحمد الطيب بعد ثورة 25 يناير ووثيقته حول «مستقبل نظام الحكم في مصر». كيف يمكن لجماعة الإخوان في برنامج «النهضة» الذي طرحه مرشحها للرئاسة ، أن تقول بمرجعية الشريعة ، وإنها هي الساعية لتطبيقها في النظام السياسي ، وتفسير هذه «المرجعية» آيل للأزهر الذي لا يقول بدولة «الإخوان» ، ولا بتفسيراتهم للشريعة وعلائق الدين بالدولة ؟! ولذلك ظهر لديهم توجهان عشية انتخاب مرسي للرئاسة : مواجهة الأزهر بسبب تصارع المرجعيتين ، أو استيعابه والاستيلاء عليه بالتدريج ، لأن بين علمائه وطلابه جمهرة منهم . وقد تبين لهم بعد وقت قصير أن الاستيعاب غير ممكن ، لاختلاف الأهداف ، واختلاف الوظائف والمهمات . ففكرة «الإخوان» كلها جديدة على الأزهر ، ولا يمكنه قبولها : تحويل الدين إلى حزب سياسي ، والاستيلاء على الدولة عن طريقه ، وإلغاء كل الآخرين ! لقد اختلفت كثرة من الشعب المصري مع «الإخوان» وطرائقهم في الحكم وسياساتهم الداخلية والخارجية . وانحاز الأزهر إلى تلك الكثرة ، كما انحاز إلى الدولة المصرية (العميقة) كما كان شأنه دائما. وهكذا فقد «الإخوان» صوابهم وصبرهم تجاه الأزهر ، وقرروا تخريبه جامعة وجامعا ، وهذه المرة لأنه انحاز ضد «الشرعية والشريعة» المتمثلة بهم . في أيام نابليون اجتاحت خيوله الأزهر لتدميره . لكن الأزهر بقي وذهب نابليون . إنما الطريف الآن محاولة تدميره من جانب «الإخوان» باسم الإسلام . سيبقى الأزهر منارة للإسلام الذي نعرفه ، أما «الإخوان» «فلهم إسلامهم ، ولنا إسلامنا» . ولا حول ولا قوة إلا بالله. تعليق : مقال مهم يكشف حقيقة التنظيم و فكرة المنحرف و معادات الوسطية و الفكر المتسامح للأزهر من خلال تحويل الدين إلى حزب سياسي |
الساعة الآن 02:57 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.