خطاب ديني جديد و ليس تحديث التخلف
http://alqatareya.net/uploads/143582638941.jpg
مأمون فندي راجت في العالم العربي فكرة « تجديد الخطاب الديني » لكن ما تحتاجه منطقتنا هو خطاب ديني جديد و ليس تجديد القديم خصوصا بعد ما نراه كل يوم من جز الأعناق باسم الدين و بعد ما رأيناه بالأمس من إرهاب ضرب ثلاث قارات في يوم واحد باسم الدين من تونس إلى فرنسا إلى الكويت . عندما يقتل الناس في المسجد و هم ركع سجود في بيت الله ، أين الملاذ إذن ؟ بيوت الله لم تعد آمنة فإلى أين يفر الناس من هذا الإرهاب باسم الدين ؟ إذا كانت بيوت الله لا تعصمنا من الإرهاب فما العاصم اليوم ؟ إننا في أزمة حضارية حقيقية و ما نحتاجه ليس تجديد الخطاب الديني القديم الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه بل نحتاج إلى خطاب ديني جديد يقربنا من العالم و لا ينفره منا ، فالمسلم اليوم أصبحت صورته كما جمل أجرب في البلدان غير المسلمة نتيجة لأفعال «داعش» و «القاعدة» التي يبررانها باسم الإسلام و الإسلام منها براء . نحتاج إلى خطاب ديني جديد يعتمد الحداثة لا القدامة في فهم أصول الدين و مناهج البحث فيها ، و يدين بصرامة استخدام الدين الحنيف لتبرير عنف بدائي و وحشي تمارسه جماعات خارجة عن القانون . الحركات المتطرفة لا تستقي خطابها الديني من أصول الدين الحنيف فمرجعيتها هي الخطاب العنيف . و قد كتبت هنا من قبل في «الشرق الأوسط» مقالا بعنوان «لنا ديننا الحنيف و لكم دينكم العنيف». عنوان يصلح للحديث عما حدث في الكويت و تونس من جريمة نكراء لا صلة لها بدين المصلين الذين كانوا يصلون في المسجد و لا بدين عامة المسلمين خارج المسجد . للمتطرفين دينهم العنيف و لنا ديننا الحنيف . لهم خطابهم الديني و لنا خطابنا . أما من يصورون المسلمين على أنهم شركاء لهؤلاء في المرجعية الدينية فهم من يبغون الخلط و إذكاء نار الفتنة . التاريخ الإسلامي مضيء ولكن به حقب ظلام يستقي منها المتطرفون أفكارهم ، فمعظم مرجعياتهم كتبت في عصور اضمحلال الفكر الإسلامي و ما أكثر تلك الفترات لكن هناك فترات تاريخية مشرقة تم فيها تأليف كتب ذات وزن منفتحة على الذات و الآخر . و مع ذلك لكل زمان خطابه الديني الذي يناسبه ، و ما كتبه ابن تيمية و المودودي و غيرهما قد يصلح لزمانهما و ظروفهما لا لزماننا حيث العالم المعولم و الاعتماد المتبادل بين الدول و المجتمعات . نحن كمسلمين نحتاج إلى العالم أكثر من حاجته لنا . خرجت المظاهرات في باكستان و بنغلاديش و في العالم العربي و عند مسلمي الغرب دفاعا عن النبي الكريم (صلى الله عليه و سلم) احتجاجا على الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة . ترى ما هو الأكثر إساءة للرسول (صلى الله عليه و سلم) و الإسلام : الرسوم الكاريكاتيرية أم ما يفعله «داعش» من وحشية بدائية ، من سبي للنساء وجز للرقاب و تعليق للرؤوس و حرق للناس و هم أحياء كما حدث في حالة الطيار الأردني ؟ السؤال ليس هنا لكن السؤال هو : لماذا لا تتحرك الجموع ضد قتل مسلمين في المسجد في الكويت أو قتل سائحين أبرياء في تونس جاءوا ليستمتعوا برحلة وفروا لها سنين من حر مالهم القليل ؟ لماذا لم يعد القتل يصدمنا ؟ أو لماذا تحركت الجماهير ضد المجرد في الرسوم و لم يحركها الدم الذي يسيل على سجادة الصلاة في مسجد الكويت ؟ ماذا جرى لنا ؟ و هل حالتنا هذه تحتاج إلى تجديد الخطاب الديني أم أنها تحتاج إلى خطاب جديد يمثل قطيعة مع العنيف في تراثنا ؟ أقدر حسن نية السياسيين ممن ينادون بتجديد الخطاب الديني لكن هذا لم يعد كافيا . ما الذي يمكن تجديده في كتب غير محكمة و كتب صفراء تباع على قارعة الطريق ؟ الكتاب في الغرب الذي نرميه بالكفر يمر بمراحل مراجعة و تحكيم خصوصا في مدارس و كليات اللاهوت . بأمانة الباحث أقول إن كثيرا جدا مما يكتبه من يسمون بالدعاة اليوم لا يرقى إلى مستوى العلم و لا يجب نشره على عامة الناس ، و لو قدم كورقة بحث في اللاهوت أو الفقه أو أصول الدين لرفض في لحظتها و لا يرقى حتى إلى مستوى التصحيح . مطلوب تقنين دور النشر المارقة التي تملأ العالم العربي و تنشر كتبا غير محكمة و لا ترقى إلى مستوى النشر ، هذا إضافة إلى ما بها من تخلف و حض على العنف . بكل أسف يسيطر على الإنتاج الفكري في منطقتنا شلل ليس له علاقة بالبحث العلمي و معاييره كما تعرفه المجتمعات المتحضرة . كل هذا يجب أن يلقى في أقرب مقلب نفايات . هذا خطاب لا يمكن تجديده و يجب ألا يقرأ . مطلوب أن نبدأ بضبط معايير ما يمكن نشره و إلزام دور النشر حتى لو كانت تجارية بحد أدنى من المعايير و إلا لا يرخص لها بالعمل . أحسن صنعا العاهل المغربي عندما أقر قانونا يمنع رجال الدين من الدخول في السياسة أو أمور الدنيا (كما أفهم القانون) .. حيث حض القانون الجديد العاملين في المجال الديني المغربي على « التحلي بصفات الوقار و الاستقامة و المروءة » بالإضافة إلى منعهم من «مزاولة أي نشاط» مدر للمال في القطاع الحكومي أو الخاص إلا بـ«ترخيص مكتوب من الحكومة» و تستثنى من هذا «الأعمال العلمية و الفكرية و الإبداعية» التي لا «تتعارض مع طبيعة» المهام المفترض أن يلتزم بها رجل الدين . و أزيد هنا على أن من يدعي أنه رجل دين فلا بد أن يزهد في متاع الدنيا من سلطة أو جاه أو مال .. هذه هي صفات رجل الدين .. أما إذا دخل في عالم السياسة و عالم المال فهو يستخدم الدين كمطية للوصول إلى أهداف دنيوية بعيدة عن الدين ، و متعارف عليه أن من يلتزم أمام الناس بشيء ثم يضللهم باستخدامه لأمر آخر فهذا هو تعريف القاموس للنصاب و المحتال . ما نراه من كثيرين ممن يدعون أنهم رجال دين يجعل الأيام تكشفهم على أنهم رجال دنيا من الطراز الأول . إذن تجديد خطاب النصاب يكون مزيدا من النصب و الاحتيال . و في نهاية الأمر و كما كتبت في مقال سابق في هذه الصحيفة ، فإن أزمتنا أكبر بكثير من تجديد خطاب لا يرقى إلى مستوى المعرفة . أزمتنا يبدأ تلمس حلها بخطاب ديني و سياسي و اجتماعي جديد . إن العبث الذي تردده الحكومات من خلال كليشيهات «تجديد الخطاب الديني» لا يمكن وصفه إلا بعبارة واحدة وهي أنه «محاولة فاشلة لتحديث التخلف». |
الساعة الآن 02:18 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.