الخطاب الديني ... شهادة «تشخيص الصحوة»
http://alqatareya.net/uploads/1517605761471.jpg
فهد سليمان الشقيران في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1993 صدر الأمر الملكي بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية ليكون اسمها الكامل : وزارة الشؤون الإسلامية و الأوقاف و الدعوة و الإرشاد . و في ديباجة الأمر أن التأسيس جاء بعد ما عرضه الشيخ المفتي العام عبد العزيز بن باز : «من ضرورة إيجاد وزارة الشؤون الإسلامية و الأوقاف و الإرشاد و الدعوة إلى الله سبحانه ، و تأييدنا لذلك». الظرف الذي كانت تعيشه الحركة الإسلامية في المنطقة كان على مستوى من الانفلات و الاندفاع : الخطاب الصحوي المضارع لحرب الخليج ، و من ثم الاستعانة بالقوات الأميركية ، و صعود «الأدبيات الجهادية» بعد الحرب الأفغانية السوفياتية , كل ذلك جعل الحكومات تهتم أكثر من أي وقت مضى بضبط الخطاب المنبري و لجم توظيفه سياسياً . قبل تأسيس الوزارة كان يمكن لأي شخص إلقاء أي محاضرة في أي جامع بمجرد لصق عنوان على المساجد و المتاجر المجاورة ، و يمكنه إعلان مواقف سياسية مصيرية بزعقة منبرية واحدة . لقد كان أمراً جنونياً بحق ، كان على الحكومة إيجاد صيغة تجعل الخطاب الديني مؤسسياً ، من أجل حصار حالة التسييس التي طغت على كل الحركة الدينية آنذاك بحكم تسيد الصحوة للمشهد . و بعد الأمر الملكي بأشهر في بحر عام 1994 كان لا بد من إخماد تلك النار , إذ تم ضبط رموز ما سميت بالصحوة آنذاك و احتجازهم قبل أن تتطور الأمور إلى ما هو أخطر . قبل أيام أصدر الدكتور توفيق السديري نائب وزير الشؤون الإسلامية ، كتاباً بعنوان «تشخيص الصحوة - تحليل و ذكريات» و فيه يحاسب محطات من تلك المرحلة , كتاب جريء من شخص بمنصبه هذا ، المؤلف يعترف بأن المرحلة المعيشة الآن خدمته في إخراج الكتاب من الدرج و دفعه إلى المطبعة ، و قد عُرف السديري لدى الفاقهين بتوازنات الوزارة إدارياً و فكرياً ، بأنه من الناقدين للتيارات الإخوانية و السرورية (الصحوية) منذ سنين مضت ، و إن كان نقداً يتم تداوله همساً بحكم ظروف المراحل الماضية ، ذلك أن الوزارة منذ تأسيسها لا يمكن أن تكون خارج تنافس التيارات الإسلامية . فمن جهة ، لدى الإخوان المسلمين استراتيجياتهم في البحث عن مفاصل قيادية ، بينما يرغب التيار السروري في مزيدٍ من النفوذ على المستويين : الدعوي المنبري ، و المساجد و الجوامع . و يعادي هذان التياران النافذان تيار «سلفية أهل المدينة» التيار المعروف بـ«الجامية» و له حظوظه الأقل مما التهمه سابقاه ... لدى الوزارة أكثر من تسعين ألف مسجد و جامع تتقاطر التيارات للهيمنة على أكبر حصةٍ منها ، راغبين في احتكار وعي المجتمع . الدكتور توفيق يقول : «لامس جيلي مرحلة الانكسار لليسار القومي و بداية توهج الفكر الحركي الإسلامي ، أو ما يمكن أن نسميه فكر التفسير المصلحي التوظيفي للدين ، و تحديداً المصلحة السياسية ، فعرفت عن بعد و تابعت الحراك الفكري السابق لجيلي الذي كان متوهجاً قبل حرب 1967 .. لكني لم أعايشه لأسباب أهمها المرحلة العمرية ، و كذلك كوني نشأت في محيط محافظ و بيئة دينية موالية بعمق للهوية و الدولة السعودية ، و لذلك قد لا أستطيع الكتابة عنه كما أكتب عن الحراك الفكري الحركي الإسلامي السياسي ، لأني عايشت هذا الآخر في المدرسة و المسجد و الجامعة و مناشط الثقافة و مختلف مناحي الحياة». يناقش الدكتور توفيق السديري في الكتاب بدء تكوين الإخوان المسلمين ، و حادثة جهيمان ، و آثار الصحوة ، و قد كتبت الصحف السعودية مراجعات كثيرة تبين مستوى أهمية هذا الكتاب لجهة منصب و حيثية كاتبه . يمكن تحويل الكتاب إلى برنامج عملٍ في وزارة الشؤون الإسلامية ، و ذلك بغية تحصين العاملين و المتأثرين بالمنابر التابعة لها من غلواء الأفكار الراديكالية المنتمية للحركة الإسلامية ، و هذا ليس صعباً ، بل يصب في صميم عمل الوزارة . و نتذكر أن من الأهداف و السياسات الأساسية للوزارة و تحديداً في الهدف الثاني منها ، الإشارة لموضوع «الدعاة المؤهلين». وهنا يمكن الإفادة من الكتاب لصقل التأهيل للمسؤولين عن الخطاب الديني و المحتكرين للمنبر الخطابي ، و السديري ليس بعيداً عن رسم السياسات و أخذ مجالات العمل الدعوي إلى أفقٍ أرحب ، يتجاوب و يتواءم مع النقلة السعودية الكبرى ضمن المخطط المرسوم لتجاوز الثلاثين سنة الماضية التي أهلكت و أرهقت و أنهكت المجتمع و الحكومة . لنأخذ من التجربة عبرةً لنا ، و المؤسسات الحية و الحيوية هي التي تقود المجتمعات إلى التغيير ، خصوصاً أن هناك رغبة سياسية في ردم تلك الهوة و تجاوز ذلك الخطاب القديم .. إنها مهمة صعبة و ضرورية لئلا نكون ممن يفتنون في كل عامٍ مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون و لا هم يذكرون . |
الساعة الآن 03:05 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.