منتديات القطرية

منتديات القطرية (https://www.alqatareya.com/vb/index.php)
-   المنتدى العام (https://www.alqatareya.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   كذبة "العدو" التي صدقت (https://www.alqatareya.com/vb/showthread.php?t=1532)

البرواز و الصورة 07-08-2014 10:43 AM

كذبة "العدو" التي صدقت
 
http://alqatareya.net/uploads/1407397322181.jpg

محمد فهد الحارثي

العدو في الفكر السياسي الميكافيلي ضرورة . فوجود عدو يعطي مبررات للسلطة السياسية استخدام نفوذها بشكل أوسع و كسب انتماء الناس بحكم التخويف من العدو . و هذا العدو يأخذ أشكالاً مختلفة ، فقد يكون دولة أو تعزيز الصراع الطائفي الداخلي وغيرها من الأساليب التي تجعل الدفة السياسية و الإعلامية موجهة للوقوف ضد هذا العدو . و وجود العدو وسيلة لإلهاء الشعوب و اشغالها و لذلك يتم ايجاد العدو حتى لو لم يكن كعدو وهمي فالمهم هو تحفيز الماكينة الإعلامية و الفعاليات و المؤسسات المهمة للدولة في هذه العجلة . و من يشاهد التأجيج الطائفي في المنطقة يدرك كيفية استخدام الطائفية بأسلوب سياسي انتهازي يفتح الباب لصراعات لا تنتهي واحتقان سياسي وشعبي مزمن . و تاريخياً في المنطقة كان العدو الجاهز هو إسرائيل ، و بالتالي كان الساسة يجدون في هذا العدو وسيلة مهمة لترديد الموشحات المتكررة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة . و أن المرحلة الحرجة تتطلب تضافر جميع الجهود و القدرات من اجل المعركة الكبرى مع العدو . و عند الحديث عن أي شأن داخلي كان الرد الجاهر أن الوقت غير مناسب فنحن في معركة مصيرية مع العدو الإسرائيلي و أي محاولة تشتيت القوي هو تأمر مع العدو بهدف تفتيت الجبهة الداخلية . و هكذا ساعدت اسرائيل على بقاء انظمة ديكتاتورية بحجة العدو الذي يتربص بنا عند أي لحظة تغيير أو تطوير . و لكن حجة العدو الإسرائيلي لم تعد مقنعه خاصة ان بعض الدول اقامت علاقات معها و أخرى حافظت على أمن اسرائيل عشرات السنين على حدودها و لم تطلق رصاصة واحدة . و تاه الفرد العربي كيف هذا العدو الذي بقينا كل هذه السنين اصبح صديقاً لنا وتغير الحال إلى حال جديد . فكان من الضرورة للسياسي أن يوجد عدواً جديداً مقنعاً , فوجد البعض أن الطائفية سلاح مؤثر نظراً لامتزاجه بعاطفة الدين و هذا يكسب القضية زخماً و تفاعلاً اكبر . و تعدد الأعداء فكل دولة تصنف عدواً بما يتماشى مع خطابها السياسي و تكيف ماكينتها الإعلامية وفق هذا التوجه. و الشعوب تنطلق حسب الخط السياسي فوسائل التأثير من خلال المنظومة الإعلامية و الخطاب السياسي يجعل العدو مرعباً حتى لو كان وهمياً . و قضية وجود العدو ليست محصورة في الدول العربية فقط بل حتى دولياً ، فالولايات المتحدة كانت تضع الاتحاد السوفييتي في صورة العدو ، و كانت حقبة المكارثية في التاريخ الأميركي المعاصر مثالاً لكيفية تصوير العدو و هي المكارثية التي جعلت كل مواطن أميركي محل شك أن لديه انتماء للشيوعية . و قضية ايجاد العدو في صورة تخطيط سياسي تعود الى وليو شتراوس المؤسس لحركة المحافظين الجدد في أميركا الذي كان يرى ان مشاكل المجتمع الأميركي بسبب المذهب الفردي الذي يحابي الفرد على حساب المجتمع . و من هذا المنطلق رأى أنه في سبيل ايجاد تماسك في المجتمع الأميركي لابد من وجود عدو ليوحد الأمة الأميركية , و بالتالي كان المناسب وقتها أن يتم تصوير الاتحاد السوفييتي على انه يمثل الشر وأن أميركا هي القيم والأخلاق و بالتالي هي حرب بين الخير والشر . وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي كان لابد من وجود العدو الذي يمثل الشر . و لذلك لم يكن غريباً حينما اطلق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن مصطلح محور الشر و كان يقصد به العراق وإيران وكوريا الشمالية.

و يظل صراع العدو قائماً في الفكر الاستراتيجي السياسي الذي يستخدم الوسيلة ليبرر للغاية .
و تعكسها فلسفة هيغل في أن الحرب مع العدو تحمي المجتمع من الانهيار الداخلي ويفتقد الشعب لمبرر يعطي التضحيات من اجله . ويوضحها بصورة اكبر الداهية الأميركي المحنك ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في أن غياب تهديد للولايات المتحدة يجعلها تفتقد الاتجاه الذي تسلكه. و الواقع العربي يجسد قضية العدو الوهمي بصورة أوضح ولكن الفرق أنه في الغرب صورة العدو تهدف الى المساعدة في ايجاد عمق وطني ويتم توظيفه سياسياً بينما في العالم العربي بهدف تثبيت أنظمة الحكم و خلق قضايا وهمية تشغل الشعب عن مناقشة القضايا المهمة . فانتشار قضايا التصنيفات بين أفراد المجتمع الواحد أو ترسيخ المناطقية وتعزيز التباينات بينها كلها وسائل سياسية تلهي الناس عن القضايا التي ترتبط بحياتهم و مستقبلهم . وجود العدو الوهمي خطورته أنه ينقلب الى عدو حقيقي ولكنه عدو يدمر الشعوب نفسها . فالحروب الطائفية الحمقاء التي تفرز صديدها في مناطق مختلفة من العالم العربي هو انفلات لمعيار العدو الوهمي الذي توهم السياسي أن سيبقيه تحت السيطرة , أي أن السحر انقلب على الساحر . و هذا الذي يجعل السيناريو المقبل في المنطقة مقلقاً , فالقضايا المهمة والتي يفترض أن تهم الحكومات والناس هو البطالة و مكافحة الفقر والفساد و تأمين العيش والسكن المناسب للناس . العدو الحقيقي لأي دولة هو عدم القدرة على خلق تنمية حقيقية للشعب تنعكس على حياتهم ودخولاتهم وخدماتهم , عدا ذلك فالحديث عن الطائفية أو التصنيفات للأفراد أو الدخول في رهانات خارجية هو تفريط في مقدرات الدول وتضييع لحقوق ومكتسبات الشعوب .

نقلا عن صحيفة "البيان الإماراتية"


الساعة الآن 03:08 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

Security team