منتديات القطرية

منتديات القطرية (https://www.alqatareya.com/vb/index.php)
-   المنتدى العام (https://www.alqatareya.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   الملك و العلماء : المؤسسة السياسية (https://www.alqatareya.com/vb/showthread.php?t=1624)

البرواز و الصورة 31-08-2014 04:10 PM

الملك و العلماء : المؤسسة السياسية
 
http://alqatareya.net/uploads/1409490555781.jpg

خالد الدخيل

أعود إلى موضوع تناولته هنا قبل أسبوعين (17 آب (أغسطس) 2014). ما كتبته آنذاك كان عن حديث الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى علماء الدين و عتبه على صمتهم و ما ران عليهم من كسل كما قال أمام هجمة إرهاب يأخذ من الدين لباساً له . لعله من الواضح أن سبب عودتي إلى هذا الموضوع أنه لم يكتمل فالمقالة الأولى لم تكن في الواقع أكثر من حلقة في موضوع كبير بحجمه و خطر في ماهيته لا يمكن أن يأخذ حقه في مقالة أو اثنتين أو حتى أكثر من ذلك . و لذلك فإن له من الأهمية و الخطورة ما يفرض أن يكون موضوعاً لحوارات و نقاشات مطولة بين السعوديين جميعاً خصوصاً الساسة و علماء الدين و مختلف النخب بمختلف مشاربهم . كان حديث الملك في جوهره عن دور علماء الدين في الدولة و هؤلاء يمثلون في السعودية رموز المؤسسة الدينية التي هي في جانبها الرسمي أحد أجهزة الدولة . و كنت ختمت مقالتي السابقة بالقول بأن «المؤسسة الدينية الآن ضعيفة و خارج السياق . لا تعبّر عن مرحلتها و إنما عن حالها في هذه المرحلة . و بما أنها واحدة من مؤسسات الدولة فإن ضعفها ينعكس على الدولة أيضاً حتى و لو أنها تريد غير ذلك . من هنا فإن عتب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في محله تماماً لكنه عتب يجب أن يتوجه أيضاً إلى ما هو أبعد من المؤسسة الدينية». و ما قصدته بهذا القول أن المصدر الأول لضعف المؤسسة الدينية هو الجمود الفكري للمؤسسة ذاتها لكنه ليس المصدر الوحيد . فمن حيث أن المؤسسة جزء من الدولة و ملزمة بمقتضى طبيعة العلاقة التي تربطها بهذه الدولة بأنظمتها و سياساتها الداخلية و الخارجية ، و بالعمل وفقاً لهذه الأنظمة وتلك السياسات ، فإن السؤال الذي يفرض بالضرورة نفسه هنا هو : هل أن إصرار الدولة على إبقاء علاقتها بهذه المؤسسة على الصيغة التي كانت عليها إبان قيام الدولة في مرحلتها الأولى في منتصف القرن الـ 12هـ (18م) كان له دور في إضعاف المؤسسة و في جمودها الفكري ؟ الحقيقة أن بقاء هذه العلاقة على ما كانت عليه من دون تغيير يواكب تغيّر التاريخ والمجتمع و بعد مرور أكثر من قرنين و نصف القرن من الزمن من عمر الدولة هو مؤشر على جمود المؤسسة لكنه قد يكون مؤشراً على ما هو أكثر من ذلك . التاريخ مهم للتعرف على هذه العلاقة ومآلاتها , فالمؤسسة الدينية بتركيبتها ودورها و بما تعاني منه من ضعف علمي و جمود فكري في المرحلة الحالية هي نتيجة لمسيرة تاريخية طويلة . لا يمكن طبعاً الإلمام في مقالة واحدة بكل تفاصيل هذه المسيرة . كل ما يمكن فعله هنا هو إضاءة أهم المفاصل فيها . في المرحلة الأولى كانت الحركة الوهابية و هي النواة التأسيسية الأولى للمؤسسة الدينية لاحقاً الحاضن الأول لفكرة الدولة و لهذا السبب أكثر من غيره كان العلماء و المشايخ آنذاك في أوج قوتهم و تأثيرهم . يذكر مؤرخ الدولة عثمان بن بشر عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب أن «الأخماس و الزكاة و ما يُجبى إلى الدرعية من دقيق الأشياء و جليلها كلها تدفع إليه ، يضعها حيث يشاء ، و لا يأخذ عبدالعزيز (بن محمد بن سعود الإمام الثاني للدولة) و لا غيره من ذلك شيئاً إلا عن أمره (أمر الشيخ). فبيده الحل و العقد ، و الأخذ و الإعطاء ، و التقديم و التأخير . و لا يركب جيش ، و لا يصدر رأي من محمد (بن سعود) و عبدالعزيز إلا عن قوله». تشير ملاحظة ابن بشر هذه إلى أن قوة المؤسسة الدينية حتى في تأثيرها السياسي كانت في ذروتها آنذاك ، لكن ينبغي ملاحظة أمرين هنا : الأول أن الموقع السياسي المتقدم للمشايخ في تلك المرحلة كان في الواقع حصراً على الشيخ محمد باعتباره مؤسس الحركة ، الأمر الثاني أن مشايخ المؤسسة بمن فيهم ابن عبدالوهاب نفسه كانوا يعون تماماً من خلال انتمائهم السلفي التقليدي ضرورة تمييز المجال الديني بحقوقه و مهماته عن المجال السياسي ، و أن الحكم يعود لولي الأمر . من هذه الزاوية ربما أن «الوهابية» هي الحركة الإسلامية الوحيدة في التاريخ الإسلامي التي لم يتطلع علماؤها و مشايخها طوال ما يقرب من ثلاثة قرون الآن إلى الحكم ، و ذلك التزاماً بما جاء في أحاديث نبوية عدة عن هذا الموضوع بوجوب طاعة ولي الأمر و عدم منازعة الأمر أهله . في هذا الإطار كان مصدر قوة المشايخ و تأثيرهم هو علمهم و مكانتهم في المجتمع خصوصاً أنهم كانوا الطبقة المتعلمة الوحيدة في ذلك الزمن .

في المرحلة أو الدولة السعودية الثانية لم يتراجع الموقع السياسي للعلماء كثيراً مقارنة بما كان عليه في المرحلة الأولى إلا من ناحية أن الموقع السياسي المتقدم للشيخ اختفى بوفاة مؤسس الحركة و أن مؤسسة الحكم السياسية استمرت في نموها . في هذا الإطار احتفظ علماء الدين بمكانتهم المرتبطة بكونهم الفئة المتعلمة الوحيدة و أن التعليم الديني كان التعليم الوحيد المتاح و من ثم المصدر الوحيد للعلم والمعرفة . من هنا احتفظ المشايخ بقوة تأثيرهم داخل الدولة من خلال هيمنتهم المعرفية على المجتمع و الدولة معاً . و برز هذا الدور للمشايخ أثناء الحرب الأهلية التي انزلقت إليها الدولة آنذاك . و كان أطراف الصراع يتنافسون على كسب مواقف العلماء و أشرت إلى شيء من ذلك في المقالة السابقة. أما في الدولة الثالثة الحالية فيمكن القول بأن دور العلماء و قوة تأثيرهم مر بثلاث مراحل كانت الأولى في زمن الملك عبدالعزيز الذي قاد عملية إعادة تأسيس الدولة . و وصل دور العلماء و قوة تأثيرهم ذروته في هذه المرحلة لكن في إطار أن مشروعية دورهم باتت تعتمد على الدولة بقدر ما أن مشروعية الدولة تعتمد على دعمهم . و الواقع أن مشروعية كاريزما الملك عبدالعزيز و مشروعية إنجازه بإعادة تأسيس الدولة كانت تنافس مكانة العلماء في المجتمع . و تعبيراً عن هذه العلاقة ينقل خير الدين الزركلي أن الملك عبدالعزيز «سمع مرة يقول ما لقيت الشيخ - عبدالله بن عبداللطيف - إلا و تصبب العرق من إبطي». من ناحية ثانية يقول الزركلي إنه شهد في مجلس الملك مجيء بعض المشايخ و عرضهم عليه رسالة «يستأذنونه في نشرها موضوعها الرد على الشيعة . فوعدهم بالنظر فيها و لما انصرفوا دفعها إلى أحد ثقاته و أمره أن يكتب على أوراق أخرى كل ما يبدو له من حذف و إصلاح و يعيدها إليه . وانكب (الملك) بعد الصلاة في الصباح على إصلاح الرسالة بقلمه كما أصلحها الثقة و لما جلس للناس جلسته المعتادة في الضحى أقبل الجماعة فلاطفهم . و سلمهم الرسالة مليئة بالحذف و الإثبات بخطه وقلمه و قال لهم : إنكم أصحاب دين و لستم أصحاب سياسة , فإذا أردتم نشر الرسالة فلتكن كما ترون». تتضح في هذا المشهد قوة رجل الدولة النابعة من مكانته و من قناعته بضرورة خضوع الرؤية الدينية للمصلحة السياسية للجميع . رفض رؤية العلماء في هذا الموضوع لكن بطريقة ذكية و مهذبة مع أنه قبلها في مواضيع أخرى . ثم ينقل الزركلي بعد ذلك عن حافظ وهبة المشهد الشهير الذي اعترض فيه بعض العلماء على إنشاء محطات لاسلكية ، إذ قال هؤلاء البعض له «يا طويل العمر لقد غشك من أشار عليك باستعمال التلغراف و إدخاله إلى بلادنا . فقال الملك : لقد أخطأتم فلم يغشنا أحد , ثم قال : إخواني المشايخ أنتم الآن فوق رأسي تماسكوا بعضكم ببعض لا تدعوني أهز رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم , و أنتم تعلمون أن من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي مرة ثانية». و هنا تتضح ثقة رجل الدولة في ما يتعلق بموضوع تبين له أن علماء الدين لا يدركون طبيعته و لا المصلحة من ورائه ، و أن موقفهم حياله ليس نابعاً عن علم شرعي و معرفة بالموضوع و إنما عن انغلاق و ضيق في الرؤية . و ربما أن هذه الحادثة تمثل البدايات الأولى للضعف الفكري لعلماء الدين و للمؤسسة الدينية . بقي أن نتعرف على المرحلتين الثانية و الثالثة في الدولة الحالية ، و كيف أن ضعف المؤسسة الدينية ينعكس على المؤسسة السياسية لأن العلاقة بينهما ليست من النوع الذي يأخذ اتجاهاً واحداً و إنما علاقة و تأثر و تأثير .
نقلاً عن "الحياة"


الساعة الآن 02:21 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

Security team