السلفية مع السمهوري و الراشد و السيد
http://alqatareya.net/uploads/1475249339061.jpg
أحمد عدنان تعليقا على مقالتي “مؤتمر غروزني : شمعة تتحدى الظلام” سعدت بتعليقين كريمين من قلمين نبيلين لشخصين عزيزين ، الأول هو الأستاذ عبدالرحمن الراشد في صحيفة (الشرق الأوسط) تحت عنوان “الجهل ملة واحدة”، و الثاني هو الأستاذ رائد السمهوري في صحيفة (الوطن) تحت عنوان “هل مؤتمر الشيشان شمعة تتحدى الظلام”. و نبدأ بمقالة الأخ السمهوري التي صارعت طواحين الهواء ، فما ذكره من فتاوى أو آراء أشعرية ، كنت قد أشرت إلى أمثالها في مقالتي منبها إلى فرق جوهري بين السنة و بين السلفية ، و هو أن السنة قد تجاوزوا هذه الآراء , أما السلفية فما زال موقفهم المعادي للمخالف و للمختلف جاثما على قلوبنا و على أعناقنا ، أين حضور الفتاوى التي نقلها السمهوري في عقل السنة و معاشهم اليوم ؟ صفر ، باستثناء ما تؤججه السلفية و تمارسه ، و عمر الآراء التي نقلها السمهوري مئات السنين لكن السلفية لم تجر مراجعة جدية لذاتها ، و الفتاوى التي أصدرها ابن تيمية و من لف لفه منذ المئات من السنين أصدرتها هيئة كبار العلماء السعودية و من دار حول مذهبها في كل العالم الإسلامي قبل عقود و إلى يومنا هذا . و كان قد سبق السمهوري في نفس السياق عالم جليل هو د. رضوان السيد ، و لا شك في أهليته و قطبيته العلمية و الدينية ، و أغلب أقلام اليوم خرجت من محبرته و تخرجت في مدرسته ، لذلك لم أستغرب أن مقالته في صحيفة (الشرق الأوسط) قدمت دفاعا سياسيا معتبرا عن خصوم المؤتمر ، لكن فلندع السياسة جانبا و نتناول القضية من منظور مجرد ، هل ينكر السيد و السمهوري رواسب النصب و التجسيم في العقل السلفي ؟ هل ينكر السيد فداحة أثر تثليث التوحيد لتقسيم المسلمين و تكفير الحكومات و تأصيل الإسلام السياسي الذي رفضه المسلمون منذ وفاة الرسول الأعظم ؟ و هل ينكر السيد و السمهوري براءة السنة من كل ذلك ؟ على كل حال ، أنصح أخي رائد السمهوري بقراءة كتاب رائد السمهوري (نقد الخطاب السلفي – ابن تيمية نموذجا) ليتذكر تجاوزات السلفية ضد الإسلام و ليس ضد السنة وحدهم ، و ننقل هنا بعض عناوين الكتاب التي أثبتها السمهوري نفسه على ابن تيمية “الكفار لا يملكون أموالهم ملكا شرعيا و لا يحق لهم التصرف في ما في أيديهم . أنفس غير المؤمنين و أموالهم مباحة للمسلمين . غير المؤمن تجب عداوته و إن أحسن إليك . وجوب إهانة غير المسلم و إهانة مقدساته . اليهود و النصارى ملعونون هم و دينهم . المرأة أسيرة للزوج و هي كالمملوك له و على المملوك الخدمة . جنس العرب أفضل الأمم و أذكى الأمم ، و مخالفة هذا هو قول أهل البدع . اكتساب الفضائل بالاستغناء عن القراءة و الكتابة أكمل و أوفق . علم الرياضيات و الفلك كثير التعب قليل الفائدة . إتقان الفلاسفة للعلوم الطبيعية إنما هو لجهلهم بالله . الكيميائيون يضاهون خلق الله ، و الكيمياء لا تصح في العقل و لا تجوز في الشرع”. و قد يحتج السمهوري بأن آراء ابن تيمية قد تجاوزها السلفيون أيضا أو أنها بنت زمانها و هذا غير صحيح ، فما زال السلفيون ينتجون أغلب هذه الأفكار بصورة أو بأخرى ، و هنا نتساءل أيضا : لماذا يتبنى الدواعش و القواعد نسبة إلى تنظيم القاعدة ابن تيمية و تلامذته حصرا و لا يتبنون الجنيد و ابن الرومي و الشاذلي و من سار على دربهم ؟ و أنتقل الآن إلى مقالة الأستاذ الراشد منبها إلى مغالطة تاريخية آمن بها و هي أن السلفية قد تضررت نتيجة احتكاكها بالإخوان ، و الصحيح أن حسن البنا قد أسس جماعته الداكنة نتيجة تأثره بالدعوة السلفية و برموزها ، و هذا مثبت في كل أدبيات الإخوان و في كل المصادر التي أرخت لهم ، فأصل الخطيئة الإخوانية سلفي ، و هذا لا ينفي أن تغول التوحش السلفي من أسبابه الإخوان ، و هذه و تلك ذرية بعضها من بعض . و هذا مدخل للفت النظر إلى العديد من المفارقات ، الأولى ، يجب أن لا نغتر بالمماحكات بين السلفيين و بين الإخوان التي نراها اليوم ، فهذا اختلاف درجة لا اختلاف نوع ، ربما يشبه تنافس أو اختلاف وكلاء التجارة على السلعة الواحدة ، و السلعة التي يتاجرون بها للأسف هي الدين . و المفارقة الثانية ، هي وجوب الحذر من الخلط بين السلفية التي نقصدها و بين تراث جمال الدين الأفغاني و الإمام محمد عبده الذي سمي سلفيا أيضا ، فهناك ألف فرق و فرق ، و يكفي أن سلفيينا قد اعتبروا الأفغاني و عبده مبتدعة و عملاء للغرب ، و هذه إشارة رمزية إلى الفوارق الفكرية الجوهرية . و عودة إلى مقالة الراشد الذي ظن أنني أخرجت السلفيين من الإسلام لكن بعض ظن الإثم ، فكونهم علميا و عقديا ليسوا سنة لا يعني هذا أنهم ليسوا بمسلمين . نفى الراشد مكانة الأزهر المرجعية عند السنة و نفى فكرة المرجعية من أساسها عندهم ، و هذا غير دقيق ، أو فيه وجه حق و فيه وجه خطأ ، و وجه الحق هو أن فكرة المرجعية نظريا و إيمانيا غير موجودة عند السنة لكنها عمليا أمر واقع لغير سبب ، و نستدل على ذلك بلجوء الدولة السعودية نفسها إلى الأزهر غير مرة في مشاريع توسعة الحرمين و بعض أحكام الحج ، و على مر التاريخ السني سياسيا و دينيا حضرت فكرة المرجعية بصورة أو بأخرى ، و من ذلك ابتداع منصب المفتي زمن الدولة العثمانية و هي بدعة توسعت و لم تندثر . في مقالات أخرى ، زايد البعض علينا بمواعظ عن وحدة الصف و نبذ الفرقة ، أين كان هؤلاء حين لم تترك السلفية طائفة من أهل السنة أو من أهل الإسلام إلا و أخرجتها من الملة و لم تتراجع عن بغيها أنملة إلى يومنا هذا ، و بفضل جورهم تم اتهام السنة و اتهام الإسلام بالإرهاب ، و ليس هناك توقيت أفضل من اللحظة لفض الاشتباك بين ما هو سني و ما هو سلفي ، فننصف السنة و ننقذ الإسلام . رأى د. رضوان السيد أن مؤتمر غروزني مؤامرة سياسية على المملكة و لست أجد ضررا أشد على القيادة السياسية السعودية من التصاق السلفيين بهم ، و تاريخهم معروف في تعطيل التنمية و الإصلاح ، و في تشويه صورة البلاد أمام العالم ، بل و ألفت النظر إلى أن الدولة الموقرة خاضت حروبا طاحنة ضد السلفيين ، فالملك عبدالعزيز قاتل السلفيين في معركة السبلة عام 1929 لأنهم أرادوا تحويل الوهابية من حركة سياسية إلى مشروع ديني ثوري دائم ، لم يكن الدويش و ابن بجاد صوفيين أو أشعريين أو من أتباع حسن البنا ، بل كانا سلفيين ، و صراع المملكة مع القاعدة و مع داعش ليس صراعا مع أتباع ماركس أو سارتر ، إنما مع سلفيين تأخونوا و إخوان تسلفنوا . و يرى الراشد و السيد أن السلفية “التقليدية” تناهض السلفية المسيسة و الجهادية ، و في رأيي أن هذا غير مجد ، لأن ما سموه سلفية تقليدية تتبنى المشروع الاجتماعي و ”الثقافي” للسلفيين الآخرين ، و في النهاية هذه مرادفة لتلك ، و كل الطرق تؤدي إلى العنف ، تأمل صفحة العالم الإسلامي من أولها إلى آخرها و أرشدني إلى فتنة واحدة ما كان السلفيون فيها طرفا ، دلني إلى جماعة سلفية في هذا البحر الإسلامي الواسع قدمت نموذجا محترما في التعايش و في المعاصرة ، و أحص أثرهم لتجد ضررهم على أهل الإسلام قد فاق ضررهم على أعدائه و ضرر أعدائه . ختاما ، لا أجد تساؤلا أفضل من : هل يعتبر السلفيون الراشد و السيد و السمهوري من أهل الإسلام أو من أهل الصراط المستقيم ؟ أتمنى ذلك و الله من وراء القصد . السؤال : هل حان الوقت للوقوف في وجه السلفية المتطرفة و ايقاف ضررها على الاسلام و المسلمين ؟ |
الساعة الآن 02:09 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.