الراديكالية و حالات "سكنى التاريخ"
http://alqatareya.net/uploads/1444989043441.jpg
فهد بن سليمان الشقيران من الواضح أن استعادة التاريخ و البحث عن نماذج متطابقة في فترات متباعدة يساهمان في تغذية التوجهات الحادة و ينشطان من فاعلية التيارات الثورية . و يعتبر الإرهابيون المتطرفون الذين يحاولون اختطاف الإسلام الصحيح التاريخ جمعا من النماذج المتكررة و يبرهنون خطابيًا بأن التاريخ يعيد نفسه و يستعرض مكره و من مفضلات التيارات الثورية تشبيه الليلة بالبارحة . التاريخ لديه كثافته ، و مكره ، و ضغطه على الحاضر غير أنه ليس شريكًا حيويًا في خلقه ، أو صناعته ، أو ترتيب أدواره . لكن حملة التاريخ ممن يعيشون فيه أكثر من عيشهم في الحاضر و الزمان هم من يعيدون التفسير الحدثي لما عبر من حوادث الدول و الأمم . تستعاد الحرب الأفغانية السوفياتية بعد التدخل الروسي في سوريا و يتم التذكير بالحروب الصليبية مقابل الفتوحات الإسلامية في محاولة حثيثة لاجترار التاريخ و الاعتماد عليه لإذكاء نزعات القتال و الصراع ، و هذا هو التفسير الآيديولوجي للأحداث التاريخية و بخاصة حين تكون ذات نزعات حزبية إسلامية تريد تحسين شروطها السياسية و تعزيز تغلغلها على الأرض بغية إعادة «الانبعاث» لقوى الرجعية بالعالم . و لأن هذه الأحزاب تعيش في التاريخ و خيامه فإن تاريخهم لم ينفصل عن فكرهم ، لهذا تكون لديهم الوقائع أفكارًا و يعيشون لحظات مضت باعتبارها جزءًا من حاضرهم و من أفكارهم ، و يأنفون من الدراسات التي تسلط على السياقات التاريخية للمفاهيم التي يعتبرونها مرجعًا في التحاكم السياسي ، أو الفهم النصي ، أو الاستدلال الديني لأن التاريخ ليس موضع فهمٍ بقدر ما هو موضوع «اتباع» و عليه فإن التاريخ مؤسس و جزء من المناخ و السياق ، و التسبيب في التعليل ، و الاعتضاد في التفسير ، و هذا ما مكن الرموز الآيديولوجية الكبرى في النفاذ إلى العقول ، إذ حولت القصص و الأساطير و الشخصيات والعبقريات التي وردت في بطون تلك المدونات إلى صيغ تبجيلية ، و أنماط ينبغي تمثلها ، و الاعتماد عليها ، و الصدور عنها . تيارات كثيرة استخدمت هذه التوعية التاريخية المدرسية للهيمنة الفكرية من أبرزها جماعة الإخوان المسلمين بطبيعة الحال و ذلك من خلال استعادة و ضخ مفاهيم كثيرة أبرزها إعادة معنى «الحاكمية» و الضرب ضد الحكومات الحديثة بغية استعادة الخلافة المفقودة . أخذت هستيريا مقاومة الغرب و الثقافة الحديثة بعدًا متصاعدا في الأربعينات من القرن العشرين فتنامت حالة من «أسلمة» كل المنتجات و الصراعات الفكرية و المفاهيم المعرفية . إن رفع شعار «الخلافة» هو تعبير صارخ عن الأزمة مع الحاضر و الإضراب المستمر عن سير الحياة و محاولة يائسة لإيقاف صيرورة الزمان ، أما «داعش» فإنكم تظلمون «داعش» فهو الوليد الموثق الثابت لنظريات حسن البنا و سيد قطب و لئن حاول الإخوان إثبات وسطيتهم من خلال فرط تطرف «داعش» فإن «النظرية السياسية الإخوانية» هي بنفس هيكليتها «النظرية السياسية الداعشية» بمفاهيم الخلافة ، و القتال ، و الاغتيال ، و الحاكمية ، و بطلان الدول الحالية . نتذكر مع لورانس رايت في كتابه «البروج المشيدة» محاولة الإخوان إعادة الانبعاث أوائل الخمسينات : «حين أنشأوا المستشفيات و المدارس و بعض أماكن التصنيع ، و كونوا جيشًا خاصًا بهم ليحارب إلى جانب الجيوش الأخرى في فلسطين و كان نشاطهم مناهضًا للمجتمع أكثر من كونه مناهضًا للحكومة و كان ذلك هو هدف الجماعة من الأساس ، فقد رفض مؤسسها حسن البنا اعتبار جماعته مجرد حزب سياسي فقد كان الهدف منها أن تكون تحديًا لفكرة السياسة بالكامل». حين كان سيد قطب في واشنطن عام 1949 التقاه رجل المخابرات و المستشرق البريطاني ج.هيوراث.دن، مؤلف كتاب : «الاتجاهات الدينية و السياسية في مصر الحديثة» و في فصلٍ منه يرسم حال الواقع لو تسلم الإخوان السلطة في مصر ، يقول : «ستغلق المسارح ، و دور السينما ، و تمنع معظم الجرائد و المجلات ، لن يكون هناك جرائد أوروبية ، ستعاني تجارة الكتب نتيجة للرقابة الصارمة ... سيكون من المستحيل شراء أي رواياتٍ إنجليزية أو فرنسية حيث إن أعمالاً كهذه مدانة مسبقًا على أنها أسلحة يستخدمها الغرب لهدم الأخلاق الإسلامية فهي تعتبر عندهم جزءًا من أسلوب خفي يستخدمه الأجانب لتدمير الإسلام». تدل البيانات لغرض «الجهاد» و الرهانات على التاريخ بغية الانبعاث و حالات الردح بالدين ضد الآخرين على أن الضرب ضد المجتمع هدفه الهيمنة عليه ، و التغلغل داخل مؤسسات الدول ، و النيل منها ، و تهشيم بنيانها ، و الدعاية ضدها ، بغية رسم خيالٍ اجتماعي حول هشاشتها و انتهائها . إن الجماعات الراديكالية المعادية لمفهوم الدولة ذات مشاريع متشابهة ، و الآيديولوجيا التي فاجأت المجتمعات بتفجير المساجد ، و الاغتيال المنظم ، و مبايعة الخليفة ، كلها موجودة في كتب سائبة ، و تعاليم تغرق بها المناشط ، و تتداول إلى عهد قريب في مؤسسات كثيرة . يروي علي عشماوي المريد السابق لسيد قطب : «في اجتماعات سيد قطب مع بعض الإخوة لترتيب تنظيم (65) كان يبحث معهم شؤون التنظيم (تنظيم 65) و كانت الجلسة ضاغطة ، و جاء ميعاد صلاة الجمعة ، كانت المفاجأة أن سيد قطب أسقط صلاة الجمعة بسبب سقوط الخلافة ، و أنه لا جمعة إلا بخلافة ، و لم يؤد صلاة الجمعة». إنها فوضى فكرية استثنائية تبدو ماثلة أمامنا بشخصياتٍ و أحزاب ذات أدبيات متماثلة كلها تشتعل بالخطر و الحرائق ، و أقبح ما فيها تحويلها حدث التاريخ الغابر إلى نموذج حاكم لكل صيغ العصر و لكل زمانيته و صيرورته ، محاولين معاندة حركة الدنيا و احتلال العصر و طمس معالم الحضارة و محاربة الحداثة لترحيل الناس من جاهلية القرن العشرين إلى خيم التاريخ . تعليق : مقال فكري عميق يكشف زيف ما يسمى بالاسلام السياسي و أنهم ناس متخلفة فكريا" و تعيش في الماضي بناء" على فهم سقيم للتاريخ و طريقة تفسيرة . أنصح بقراءته بشدة . |
الساعة الآن 02:32 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.