منتديات القطرية

منتديات القطرية (https://www.alqatareya.com/vb/index.php)
-   المنتدى الثقافي (https://www.alqatareya.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   برنارد لويس إلى الجحيم ! (https://www.alqatareya.com/vb/showthread.php?t=3475)

البرواز و الصورة 23-05-2018 03:40 PM

برنارد لويس إلى الجحيم !
 
http://alqatareya.net/uploads/1527079171171.jpg

ممدوح المهيني

تعرض المفكر السياسي فؤاد عجمي لحملات تشويه و شيطنة خلال حياته ، و لم تتوقف حتى بعد سنوات على رحيله . في حقيقة الأمر زادت الشتائم من زمرة المثقفين لحظة انتشار نبأ وفاته ، و بسرعة تحولوا إلى دعاوى العجائز الأميات يتمنون له الخلود في الجحيم إلى الأبد . تقريباً ذات المشهد عاد مرة أخرى مع رحيل المفكر المؤرخ برنارد لويس ، الذي تحول خبر وفاته إلى حفلة شتائم و أدعية و احتفالات ، و هناك من قال إنه الوجه الآخر لداعش ! هذا السلوك البدائي هو أقرب إلى سلوك الغوغاء الذين يحكمون قبل أن يقرؤوا ، أو الوعاظ المتعصبين الذين يحفظون و يصدرون الفتاوى و لا يفكرون ، و لكن المثقفين المشاهير حراس الحرية الفكرية هم من يقودون حملات التخوين و التحريض ليس فقط الفكري و لكن الديني أيضاً . و ليس من الغريب بعد ذلك أن نشتكي من تراجع مستوى الوعي و سيادة ثقافة القطيع إذا كان "رموز" الفكر و المعرفة هم من ينشرون الأكاذيب و يحرضون البسطاء . في حالة المفكر السياسي فؤاد عجمي ، شاهدتُه في العديد من المقابلات ، و قرأتُ له مقالاتٍ و كتباً تميزت بالثراء التاريخي و براعة الأسلوب . أما فيما يخصُ الأفكار ، فقد تميزت بالصراحة و العقلانية و تحدث عن أمراض الثقافة و السياسة العربية بدون خداع و مجاملة . هل كل ما قاله صحيح ؟ بالطبع لا ، هذه هي طبيعة الجدل و الحوار الفكري حول القضايا الكبرى ، تطرح آراءك و تصوراتك و التاريخ كفيل بالحكم على صحتها. لكن هذا الجو من الحرية الفكرية و النقاش الموضوعي تحول إلى هجوم على الشخص و شتمه و تخوينه و اتهامه بالعمالة و المروق . و لحسن الحظ أن غالبية الصحافيين و المفكرين العقلانيين الكبار شخصيات شجاعة غير مرتعشة ، لا تخيفها حملات الابتزاز و التخويف المستمرة ، و لا تهرع إلى حرق كتبها و إعلان التوبة النصوح . أما المؤرخ برنارد لويس فقد درس في أهم الجامعات و نشر مؤلفات مهمة عن التراث الإسلامي ، و من السهل الاطلاع على محاضراته و مقابلاته التي تملأ اليوتيوب . يتميز بالمعرفة التاريخية العميقة و التحليل العقلاني المقنع و المنطقي . هناك من اختلفوا معه و صححوا بعض استنتاجاته ، و لكنه مؤرخ كبير تحول مع حفلات التخوين الصاخبة إلى صهيوني و فاشي و استعماري . و أضيف على هذين المفكرين المهمين مثقفاً آخر هو الراحل جورج طرابيشي ، الذي قدَم كتباً و قراءاتٍ مهمة و مضيئة عن التراث الإسلامي ، و لكن كارهيه الذين جرحت كتبه نفسياتهم المتأزمة ، لم يروا فيه إلا مسيحياً مندساً و خبيثاً يريد هدم أركان الدين . مرة أخرى ، اللغة التخوينية التحريضية تعيد نفسها من جديد . من الملاحظ أن هذه الشتائم و الحملات المغرضة لا تنصب إلا على نوعية معينة من المثقفين و الباحثين ، أولئك الذين يقدمون قراءة عقلانية و تاريخية للتاريخ و الواقع بدون مجاملة أو تحريف . و في ذات الوقت يتلقى باحثون عرب و أجانب المديح و الثناء لقدرتهم على اختراع تاريخ معدل و محرف و إلقاء اللوم على الآخرين سبب المشكلة و ليس نحن . و عرف هؤلاء المثقفون الأجانب السر ، فبقدر ما تُدلك النفوس و تنفخها بالاعتزاز بالماضي و الإحساس بالظلم من القوى العالمية "المتجبرة"، تحظى بالمحبة و التقدير . و لكن هذه المعادلة المريحة السعيدة تنقلب إلى محاكمة مفتوحة إذا كشفت عن أصل المشاكل و أسباب التراجع . و بالطبع فإن لحملات التخوين هدفاً آخر ، هو عزل تأثير هذه الشخصيات العقلانية من التأثير و التوسع ، لأن تلطيخها بصفات العمالة و الخيانة ، سيصنع بينها و بين القراء جداراً من الشك يَصعُب اختراقُه . إلى جانب التمنيات بالخلود بالجحيم ، هذه آلية أخرى يستعيرها هؤلاء المثقفون من الصحويين الذين استغلوا عدم اطلاع الجمهور ، بإلصاق التهم بالصحافيين و الكتاب الذين يكرهونهم و يخافون من قوة أفكارهم . تحرم هذه الحملات المجتمعات من حرية الجدل الفكري و استقبال أفكار جديدة بدون محاكمات مسبقة ، و تزيد من قيم الهجاء و الشتائم و تعزز من ثقافة التآمر و تلبس المثقفين العقلانيين الذين لديهم الجواب لمشاكلنا لباس الخونة و العملاء ، و بالطبع تزيد من شعبية و جماهيرية المحرضين على حساب الوعي و المعرفة . و لا نعرف شيئا عن مصيرنا في العالم الآخر ، و لكن في الدنيا سيخلد اسم لويس كأحد أهم المؤرخين في العصر الحديث .

تعليق : مقال سوبر و المعاني فيه عميقة و مهمة للتطور الفكري و الحكم على الاشياء . فقط الفقرة التالية تعطيك فكرة عن روعة المقال " تحرم هذه الحملات المجتمعات من حرية الجدل الفكري و استقبال أفكار جديدة بدون محاكمات مسبقة ، و تزيد من قيم الهجاء و الشتائم و تعزز من ثقافة التآمر و تلبس المثقفين العقلانيين الذين لديهم الجواب لمشاكلنا لباس الخونة و العملاء ". الفكرة أن لا تحكم قبل ماتعرف و تقراء و تطلع حتى لو كان المصدر كاتب تحبه و تثق فيه . لأنه ببساطة ممكن بعد اطلاعك يكون عندك رأي مختلف أو يكون رأي الكاتب مدفوع باسباب لا تعرفها جعلته يأخذ موقف الضد أو التأييد .


الساعة الآن 01:49 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

Security team