الحوار و الكلام
http://alqatareya.net/uploads/1437428433061.jpg
داؤود الشريان في مقال نشر في «الشرق الأوسط» بعنوان «تسقط الكلمات تحيا الأفعال» يقول علي سالم : «في الدراما كل جملة حوار هي بحد ذاتها فعل ينقل اللقطة أو الموقف إلى اللحظة التالية , نتكلم عن الحوار و ليس الكلام». و يضيف : «عدد قليل للغاية من كتاب الدراما يعرفون الفرق بين «الحوار» و «الكلام» فمثلاً عندما أقول لك : «امبارح رحت لابراهيم و خدت الشاي معاه ، قعد يكلمني عن اللي عملته فيه سنية ، زعلان منها قوي ، فأنا قلت له إيه . هذا هو الكلام و ليس الحوار تستطيع أن تخرج من فمك أطناناً منه لكنها تظل عاجزة عن الانتقال من لحظة إلى أخرى». الدراما هي الفعل ، هكذا يعرفها أساتذة هذا الفن . لذلك عجز معظم المسلسلات العربية عن الفعل و الوصول إلى الناس فضلاً عن البقاء طويلاً في الذاكرة بسبب غياب الحوار و استبداله بثرثرة لا تفضي إلى فعل أو موقف ، و لا تنقل «الصراع» بين الإنسان و نفسه ، أو بينه و بين الآخرين و الأفكار و المعتقدات . و أزمة المسلسلات العربية لا تقف عند استبدال الكلام المرسل بالحوار المفضي إلى التغيير بل تتعداه إلى ضحالة الكلام ، و هذا مرده إلى غياب بناء الشخصيات على أساس درامي يجعل لها دورها و خصائصها داخل الرواية , و هذا الدور يفرض عليها موقفاً تعبر عنه لغتها في الحوار . صحيح أن الصورة في الدراما التلفزيونية و السينمائية لها تأثير كبير لكن غياب الحوار المستند إلى لغة غنية بالمعاني يفقدها القيمة الفنية . في السينما الأميركية و الأوروبية يشكل الحوار بين الشخصيات جزءاً مهماً من المتعة . تشعر و أنت تشاهد أنك تقرأ رواية لماركيز ، أو نجيب محفوظ ، أو غالب هلسا ، و أن الشخصيات التي تتحاور في العمل موجودة في هذا العالم رغم أنها من خيال الكاتب ، و لها رؤيتها و فلسفتها في الحياة مهما كان شأنها صغيراً ، و في روايات نجيب محفوظ تجد الحكمة على لسان شخصية البواب ، و العامل ، وبائع الخضار . قبل سنوات عرض بعض القنوات العربية مسلسل «الخنساء» للكاتب وليد سيف . إنتاج المسلسل كان فقيراً قياساً إلى الأعمال الراهنة لكنه مكتوب بلغة جميلة . كان الحوار في ذلك المسلسل مزيجاً من الأدب و الفلسفة و قدم الكاتب على لسان الشخصيات رؤيتها - أو فلسفتها - للشجاعة و الموت و الحياة , و حين تفرغ من مشاهدة العمل تشعر بأن روحك شبعت و استمتعت قبل بصرك . للدراما دور مهم جداً في حياة الناس اليوم و تفيد إحدى الدراسات الكندية التي نشرت قبل سنوات و أشار إليها فكتور سحاب في كتابه «أزمة الإعلام الرسمي العربي» بأن «الأمّة التي لا تنتج موادها الدرامية تختفي مع الوقت». المؤسف أننا ننتج أعمالاً كثيرة لكنها لن تساعدنا في فهم أنفسنا و فهم الحياة من حولنا ، و لن تحمينا من الغياب لأنها بلا حوار و لا مضمون ... مجرد كلام ساذج بلا فعل و لا قيمة . |
الساعة الآن 02:52 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.