الحاكمية
http://alqatareya.net/uploads/1565761584711.jpg
محمد ال الشيخ تشترك جميع الحركات الإسلامية المسيسة في أن (الحاكمية) هي شرط الإسلام الأول ، بل و ذهبت بعض الحركات إلى اعتبارها الركن السادس من أركان الإسلام . و مفهوم الحاكمية انطلق أول ما انطلق من الخوارج عندما ثاروا على الخليفة علي بن أبي طالب ، و علق - رضي الله عنه - على ما يقولون بأنها : كلمة حق أريد بها باطلاً ، لأنهم قصدوا بها (الإمرة)، أي الإمارة . و استطاع المسلمون الأوائل التصدي لهم ، و حربهم حتى كادوا ينتهون ، اللهم إلا فرق منهم قليلة بقيت في أصولها و معتقداتها تتكئ على بعض ما قاله الخوارج . أبو الأعلى المودودي الهندي أو الباكستاني هو أول من أيقظها ثانية من تحت الرماد ، نتيجة لصراع المسلمين مع الهندوس قبل انفصال باكستان عن الهند كدولة إسلامية ، ثم بقيت أفكاره في تلافيف الكتب و المصنفات الثورية لتلك الحقبة حتى تبناها و أثارها ثانية الإخواني (سيد قطب)، مقدماً (الحاكمية) في أطروحاته الفكرية قبل الاعتقاد و إفراد الله بالعبادة وحده دون سواه . و كان سيد قطب في أطروحاته (معتزلياً) يقول بخلق القرآن ، و كتابه الشهير في (ظلال القرآن) ينضح بهذا التوجه ، و إن كان يخفيه في لغة بلاغية مبهمة تجعل منه شأناً يعوزه التبيان و الوضوح . و من قرأ الإسلام قبل أن يتلوث بالمماحكات السياسية و الحزبية ، سيجد أنه أولاً و قبل أي شيء (دين و عبادة) و ليس سياسة ، و هذا جلي واضح في قوله جل شأنه : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}، و الدين هو في لغة العرب علاقة الإنسان بالله - جل و علا -، و الإسلام ينص بلغة صارمة أن هذه العلاقة يجب أن تكون بين الإنسان و خالقه وحده ، لا شريك له . أما علاقة الإنسان بالإنسان و بمن حوله ، فهذه أوكلها جل و علا للإنسان و مقتضيات مصالحه ، تدور معها حيث دارت و توجهت . و هذا ما بينه الحديث الصحيح الذي أورده البخاري في صحيحه عن الأعرابي (النجدي) الذي سأل الرسول - صلى الله عليه و سلم - عن (ماهية) الإسلام ، فذكر له أنه ينحصر في أركان الإسلام الخمسة ، و عندما سأله الإعرابي : هل علي غيرها ؟.. قال له : لا , إلا أن تتطوع . فقال الرجل : و الله لا أزيد على هذا و لا أنقص ، ثم أدبر , فعلّق على مقولته تلك الرسول عليه الصلاة و السلام بقوله : (أفلح إن صدق), و لم يشر لا من قريب و لا من بعيد إلى (الحاكمية) التي يزاود عليها اليوم المتأسلمون . و من يتمعن في أركان الإسلام التي نص عليها الرسول في الحديث سيجد أنها جميعاً شئون عبادية محضة ، و ليس فيها من المعاملات الدنيوية شيء ، ما يعني أن (ثوابت) الإسلام التي لا يمكن التفريط بها ، و يدخل بها المسلم في دائرة الإسلام هي (العبادات) و ليست الدنيويات ، و منها المسائل السياسية ، و السؤال الذي يثيره ما تقدم : لماذا لم يجعل جلت قدرته (الحاكمية) شرطاً من الشروط الدين لا يستقيم أمر المسلم إلا بها ؟.. السبب أن الحاكمية و متعلقاتها لا يمكن أن تكون ثابتة ، و إنما تتغير بتغير مصالح المسلمين من مكان إلى آخر ، و من زمن إلى الآخر . مما تقدم يمكن القول إن الحاكمية قضية مقيدة بالزمان و المكان ، و لا يمكن أن تكون مطلقة لذات السبب ، و الذي يفصل بين الإطلاق و التقييد هو مدى صلاحيتها للزمن الذي هو دائماً و أبداً متغير . لذلك فإن الفقهاء الأوائل ألحقوا شؤون الإمارة و السياسة بالمعاملات الدنيوية الفقهية ، و لم يجعلوها شرطاً يتعلق بها إسلام المسلم من كفره . |
الساعة الآن 08:49 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.