منتديات القطرية

منتديات القطرية (https://www.alqatareya.com/vb/index.php)
-   المنتدى الثقافي (https://www.alqatareya.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   برنارد لويس بحوث و حكايا و أساطير (https://www.alqatareya.com/vb/showthread.php?t=3479)

البرواز و الصورة 26-05-2018 02:42 PM

برنارد لويس بحوث و حكايا و أساطير
 
http://alqatareya.net/uploads/1527334892181.jpg

فهد سليمان الشقيران

حتى بعد رحيله يثير برنارد لويس الجدل حوله , ضده و معه ، هكذا درج اسمه بين الباحثين طوال قرنٍ من الزمان ، بين ممتنٍ لبحوثه و منهاجه ، أو مهاجم له لـ«صهينته» و كراهيته للعرب و المسلمين . بمجرد البحث في «يوتيوب» حول اسمه ، ترى محاضرات عديدة تهول من دور الرجل في رسم خرائط العالم و النيل من المسلمين . الكثير مما يتداول حول أدواره في صناعة السياسة الأميركية لا يعدو كونه مبالغاتٍ فجة ، و آية ذلك أن اللقاءات التي أجريت معه حول أقرب حدث كبير لعصرنا ممثلاً بإسقاط بغداد و حرب أميركا بالعراق توثق نفيه لأي تأييد لتلك الحرب ، و أبدى استياءه من اتهامه بأدوارٍ لم يلعبها ، بل كان رأيه مقتصراً على الرعاية السياسية الأميركية للديمقراطية بالعراق ، بخاصة و قد غدا شماله قادراً على لعب أدوار يمكن لأميركا الدخول ضمن مسار دعمها . في «تويتر» حدث نقاش مهم ، فبعد أن كتب مرزوق بن تنباك : «برنارد لويس يرحل يوم الجمعة الماضي بعد أن وضع عام 1980 خرائط مشروع تقسيم الدول العربية ، و ظهرت ملامح مشروعه في العراق ، و السودان ، و سوريا ، و إن لم يكتمل فهو بالطريق»، يعلّق يوسف الصمعان عليه مطالباً بالمصدر ، ثم يضيف : «لم أمتدح برنارد لويس ... فقط تمنيت إرشادي إلى خرائط الشرق الأوسط التي رسمها ... أنا فقط أزعم أن هذا التصور الكرتوني للمؤسسة الأميركية الحاكمة على أنها حلقة من المريدين عند الإمام المرشد لويس يطيعونه 40 عاماً هو تصور ساذج». و على الضفة الأخرى نقاش بين محمد العضاضي و عثمان العمير ، حيث استاء العمير من وصف الأول للويس باليهودي معتبراً ذلك من النبز ، و لكن العضاضي يؤيد الصمعان بأن البعض «يرون الأشياء من خلال عدساتهم العربية المحلية ، و لهذا يبالغون بخلع أدوارٍ على أكاديميين مثل لويس أو كيسنجر». هذا النقاش الأكاديمي السعودي يجعل الصورة أكثر وضوحاً بين المبالغات الشعبوية و بين الدور الأصلي من دون تهويل أو تضخيم . لا جدال في أن لويس من أهم الباحثين في تاريخ المسلمين ، و من الطبيعي متابعة الرؤساء الأميركيين و قادة المفاصل الأساسية لمقالاته و كتاباته (كما في حديثهم حول حمل كونداليزا رايس لمقالاته)، فهو حفر في أرشيف المسلمين بكل فضاءاته المختلفة ، العربية و التركية و الإيرانية ، و عليه فإن الاحتفاء بكتاباته بعد كل حدثٍ مفصلي مثل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) و غيرها يكون ضمن سياق الرغبة في الفهم ، و للباحثين مكانة في الدول المتطورة ، فاستشارة المسؤولين للويس أو لعجمي و غيرهما إنما هو استعانة ذكية بخبير بشأنه و لعالم بمجاله . تتعدد صورة لويس بين الباحثين المسلمين , عبد الرحمن بدوي يهاجم أبحاث لويس (برغم تقديره المتين لأستاذ لويس و المشرف على أطروحته ماسينيون)، و ينعته بكل عبارات التآمر على الثقافة الإسلامية ، بينما أركون ينتقد الاثنين بدوي و لويس ، باعتبارهما غير منخرطين بالعدة المعرفية المفاهيمية الجديدة ، واصفاً إياهما بالباحثين «الفللوجيين»، و لذلك طالبهما بالدخول ضمن مفاهيم الثورة الانثربولوجية ، و الإفادة من الأركيولوجيا و صرعات البنيوية و ما بعدها ، و نتائج ما بعد الحداثة «العقل المنبعث الصاعد». بينما جورج طرابيشي حاجج برنارد لويس الذي نفى وجود فصلٍ بين الدين و الدولة في تاريخ الإسلام ، و قد كتبتُ عن نقده هذا من قبل . وأركون في واحدٍ من آخر كتبه «نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية» يأخذ على لويس أنه مثل بقية المحافظين الجدد يخلعون المشروعية الفلسفية على أعمال أميركا الحربية ، قائلاً : «أرفض مواقف برنارد لويس التي عبر عنها بعد أحداث 11 سبتمبر عندما نشر كتابه (أين تكمن العلة ؟!) بمعنى أين يكمن الخلل في الحضارة الإسلامية الذي أدى إلى ارتكاب مثل هذه التفجيرات الهائلة ، لا ريب أنه ينبغي طرح هذا السؤال لكن دون أن يكون جوابنا هو الجواب الذي أعطاه لويس . ينبغي أن نطرحه على النحو التالي ، ما هو الخلل الذي طرأ على الحضارة العربية ، و الإيرانية ، و التركية ، و الإسلامية إلى درجة أنه أدى إلى عنف تدميري لها و للبشرية ككل» (ص:271). أغنى برنارد لويس الحقل البحثي بعناوين استثنائية و جادة . كتب حول الإسماعيلية ، و فرقة الحشاشين ، و إسطنبول و حضارة الخلافة الإسلامية ، و كتب في «أزمة الإسلام» و «الشرق الأوسط ... ملخص للألفي سنة الأخيرة». لم يكن راسم خرائط بالمعنى الحربي الذي يشبع الخيال البوليسي للبعض ، بل يقول عن دوره : «إنه يجوز أن ينتظر من المؤرخ أن يتنبأ بالمستقبل بقدر من المعقولية ، و لكن هناك أموراً معينة يستطيع المؤرخ فعلها و يجب عليه أن يفعلها , فهو يستطيع إدراك الاتجاهات ، و بمقدوره أن يرى ماذا كان يحدث و ماذا يحدث الآن ، و بذلك يلحظ التغيرات و التطور ، و من ذلك يتيسر له أن (يصوغ) و لا أقول يتنبأ بالسيناريوهات الممكن حدوثها و الأشياء التي يمكن أن تمضي في هذا الاتجاه أو ذاك ... بالطبع سيكون من السهل دائما التنبؤ بالمستقبل البعيد و لكن ليس المستقبل القريب»، و من ذلك استنتاجه حول جماعات الإسلام السياسي و الديمقراطية «فالإسلام السياسي يتغير عبر الزمن ، و لكن ليس بالضرورة إلى الأفضل . إن الاندفاع نحو الأسلوب الغربي في الانتخابات بمعزل عن تقديم حلول لمشاكل المنطقة يزيد من خطورة هذه المشاكل ، و لذا أنا أخشى جاهزية جماعات الإسلام السياسي الراديكالي لاستغلال هذا المسار من دون هداية و رشد ، في انتخابات حقيقية حرة و نزيهة من المرجح أن تفوز بها الأحزاب السياسية الراديكالية». أما كاتبه المفضل كما في حوارٍ معه فهو «رفاعة الطهطاوي الذي درس في جامعات أوروبية و عاش في مصر في منتصف القرن التاسع عشر . لقد كتب أعمالاً مهمة عن مبادئ الإسلام و توافقها مع الحداثة خلال فترة تغيير مهمة تداخل فيها العالم الإسلامي مع الغرب في القرن التاسع عشر . إن منظوره و مطارحاته زاد من ثرائها فهمه لأوروبا ، و كيف أن مبادئ الإسلام و الحداثة الأوروبية من الممكن أن يكمل أحدهما الآخر». نلاحظ هنا نفيه ضمنياً لتهمة الانطباعية الاستشراقية التي أُلصقت به حول استحالة توافق الإسلام مع الحداثة . تحال إلى لويس نبوءة صراع الحضارات باعتباره طرحها قبل صمويل هنتنغتون ، بينما الأطروحة ما صنعت الصراع و لا خططت له ، و إنما تنبأت بحدوثه كما يتنبأ المؤرخ ضمن معطياته بحدث كبير أو بخطب جلل . رحل لويس و كان في موته كما في حياته يثير السجال ، إنه شخصية فريدة و باحث استثنائي نسب إليه ما لم يقله ، و حمل أدواراً مل من التبرؤ منها ، حيكت حول شخصيته أساطير الحروب ، و نسبت إليه إدارة غرف رسم الخرائط و مؤامرات التقسيم ، و جل ذلك لم يكن قط إلا وهماً .


الساعة الآن 02:00 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

Security team